والأولى عندي أن يعتبر في وجه المناسبة، أيضا ما في الإرشاد وهو أنه تعالى لما عدد في السورة السابقة ما نزل بالأمم السالفة من ضروب نقم الله عزّ وجل، وبين عقيب كل ضرب منها أن القرآن قد يسر لتذكر الناس واتعاظهم، ونعى عليهم إعراضهم عن ذلك، عدد في هذه السورة الكريمة ما أفاض على كافة الأنام من فنون نعمه الدينية والدنيوية والأنفسية والآفاقية، وأنكر عليهم إثر كل فن منها إخلالهم بمواجب شكرها، وهذا التكرار أحلى من السكر إذا تكرر، وفي الدرر والغرر لعلم الهدى
السيد المرتضى:
التكرار في سورة (الرحمن) إنما حسن للتقرير بالنعم المختلفة المعددة، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها وبخ على التكذيب بها، كما يقول الرجل لغيره ألم أحسن إليك بأن خولتك في الأموال؟ ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا وكذا؟ فيحسن فيه التكرير لاختلاف ما يقرر به وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم كقول مهلهل يرثي كليبا:
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا رجف العضاه من الدبور
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا خرجت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا ما أعلنت نجوى الأمور
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا خيف المخوف من الثغور
على أن ليس عدلا من كليب ... غداة تأثل الأمر الكبير
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا ما خار جاش المستجير
ثم أنشد قصائد أخرى على هذا النمط ولولا خوف الملل لأوردتها، ولا يرد على ما ذكره أن هذه الآية قد ذكرت بعد ما ليس نعمة لما ستعلمه إن شاء الله تعالى في محله، وقسم في الإتقان التكرار إلى أقسام، وذكر أن منه ما هو لتعدد المتعلق بأن يكون المكرر ثانيا متعلقا بغير ما تعلق به الأول؛ ثم قال: وهذا القسم يسمى بالترديد وجعل منه قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* فإنها وإن تكررت إحدى وثلاثين مرة فكل واحدة تتعلق بما قبلها) ومما ذكره الألوسي من وجوه المناسبة بين سورة الرحمن وسورة القمر: أن كلا منهما قد افتتحت بذكر معجزة، فسورة القمر افتتحت بذكر معجزة انشقاق القمر، وسورة الرحمن افتتحت بذكر معجزة القرآن.
وقدم ابن كثير بين يدي تفسير سورة الرحمن هذه النصوص: (روى الإمام أحمد عن عاصم عن زر أن رجلا قال: كيف تعرف هذا الحرف من ماء غير آسن أو أسن؟