التحام، أما في حالة الالتحام، فأمام المسلمين سعة أن يصلوا- كما نصت الآية هنا- كيف قدروا. أو يؤخروا الصلاة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق. وكما فعل المسلمون يوم فتح (تستر) في عهد عمر. وهذه نقول حول هذا وهذا:(قال مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها- (أي كما وردت في سورة النساء) - ثم قال:(فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم، أو ركبانا مستقبلى القبلة، أو غير مستقبليها). قال نافع: لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه البخاري. وهذا لفظ مسلم. ولمسلم أيضا عن ابن عمر قال:(فإن كان خوف أشد من ذلك، فصل راكبا، أو قائما، تومئ إيماء). وقال جابر بن عبد الله:(إذا كانت المسايفة، فليومئ برأسه إيماء حيث كان وجهه. فذلك قوله تعالى: فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً). قال مالك بن أنس:
(حضرت مناهضة حصن «تستر» عند إضاءة الفجر، واشتد اشتعال القتال. فلم يقدروا على الصلاة. فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار. فصليناها ونحن مع أبي موسى، ففتح لنا. قال أنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها). هذا لفظ البخاري، وقد أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر يوم الخندق إلى ما بعد غيبوبة الشمس.
٤ - هل للزحف، والهجوم حكم المسايفة؟. يمكن أن يستدل على أن له نفس الحكم إذا اقتضى الزحف أو الهجوم الاستعجال بقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما وجههم إلى بني قريظة:«لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة». فمنهم من أدركته الصلاة في الطريق، فصلوا، وقالوا لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل السير. ومنهم من أدركته فلم يصل إلا في بني قريظة فلم يعنف واحدا من الفريقين.
٥ - قال الأوزاعي:(إن كان تهيأ الفتح، ولم يقدروا على الصلاة، صلوا إيماء كل امرئ لنفسه. فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال ويأمنوا. فيصلوا ركعتين- أي إن كانت صلاة الفجر، أو كانوا مسافرين ... - فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين. فإن لم يقدروا لا يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا). وكلام الأوزاعي أنهم يصلون ركعة واحدة في سجدتين اتجاه لكثير من السلف، أن صلاة الخوف في بعض حالات الشدة ركعة واحدة. ومن ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس قال:(فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة). قال ابن كثير:(وبه قال الحسن البصري، وقتادة، والضحاك، وغيرهم).