الأمم والله أعلم، فالقول الثاني في هذا المقام هو الراجح، وهو أن يكون المراد بقوله تعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ أي: من مصدر هذه الأمة وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ أي: من هذه الأمة. روى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي بكر المزني قال: سمعت الحسن أتى على هذه الآية وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فقال:
أما السابقون فقد مضوا، ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين. ثم قال: قرأ الحسن وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ قال: ثلة ممن مضى من هذه الأمة. وروى ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين أنه قال في هذه الآية ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ قال: كانوا يقولون أو يرجون أن يكونوا كلهم من هذه الأمة، فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه الأمة، ولا شك أن أول كل أمة خير من آخرها، فيحتمل أن تعم الآية جميع الأمم، كل أمة بحسبها، ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» الحديث بتمامه. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره» فهذا الحديث- بعد الحكم بصحة إسناده- محمول على أن الدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه إلى من بعدهم، كذلك محتاج إلى القائمين به في أواخرها، وتثبيت الناس على السنة وروايتها وإظهارها، والفضل للمتقدم، وكذلك الزرع هو محتاج إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني؛ ولكن العمدة الكبرى على الأول، واحتياج الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض، ولا تعلق أساسه فيها ولهذا قال عليه السلام:«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة» وفي لفظ: «حتى يأتي أمر الله تعالى وهم كذلك» والغرض أن هذه الأمة أشرف من سائر الأمم، والمقربون فيها أكثر من غيرها، وأعلى منزلة لشرف دينها وعظم نبيها، ولهذا ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن في هذه الأمة سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، وفي لفظ:«مع كل ألف سبعون ألفا- وفي آخر- مع كل واحد سبعون ألفا» وقد روى الحافظ أبو القاسم عن أبي مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والذي نفسي بيده ليبعثن منكم يوم القيامة مثل الليل الأسود، زمرة جميعها يحيطون الأرض، تقول الملائكة: لما جاء مع محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مما جاء مع الأنبياء عليهم السلام»).
٣ - بمناسبة قوله تعالى: وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ قال ابن كثير: (هذه