أولهم رواحا إلى المسجد، وأولهم خروجا في سبيل الله، وهذه الأقوال كلها صحيحة، فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا كما قال تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وقال تعالى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان، ولهذا قال تعالى: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال: قالت الملائكة: يا رب جعلت لبني آدم الدنيا، فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون، فاجعل لنا الآخرة، فقال: لا أفعل، فراجعوا ثلاثا فقال: لا أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان. ثم قرأ عبد الله: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وقد روى هذا الأثر الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الرد على الجهمية ولفظه: فقال الله عزّ وجل: لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان).
٢ - بمناسبة قوله تعالى عن السابقين: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ قال ابن كثير: (وقد اختلفوا في المراد بقوله الأولين والآخرين، فقيل:
المراد بالأولين: الأمم الماضية، وبالآخرين: هذه الأمة، هذا رواية عن مجاهد والحسن البصري رواها عنهما ابن أبي حاتم وهو اختيار ابن جرير، واستأنس بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» ولم يحك غيره ولا عزاه إلى أحد، ومما يستأنس به لهذا القول ما رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم عن أبي هريرة قال:
لما نزلت ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة، وتقاسمونهم النصف الثاني» ورواه الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة فذكره.
وقد روى من حديث جابر نحو هذا. وقد وردت طرق كثيرة متعددة بقوله صلى الله عليه وسلم:«إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة» الحديث بتمامه وهو مفرد في صفة الجنة ولله الحمد والمنة، وهذا الذي اختاره ابن جرير هاهنا فيه نظر، بل هو قول ضعيف، لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن، فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها اللهم إلا أن يقابل مجموع الأمم بهذه الأمة، والظاهر أن المقربين من هؤلاء أكثر من سائر