والبداية، ولم نحاول فيما قبل المجموعات السابقة أن نقف وقفات طويلة عند هذا الموضوع، لأن تركيزنا الرئيسي كان منصبا على النسق الذي تمشى عليه أقسام القرآن ومجموعاته، وهو نفس النسق الذي سارت عليه سورة البقرة.
...
غير أن ظهور الصلات بشكل واضح في السور الست التي مرت معنا فيما بين نهايات السورة السابقة وبدايات السورة اللاحقة، جعلنا نركز على هذا المعنى هنا، وهي ظاهرة تجدها في القرآن كله: أن السورة السابقة توصلك إلى السورة اللاحقة وتمهد لها، لاحظ مثلا نهاية سورة يونس وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ وبداية سورة هود الر* كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ... تجد الصلة، لاحظ نهاية سورة هود فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ... ثم ادرس سورة يوسف بعدها، تجد سورة يوسف درسا في التوكل وهكذا، إلا أنه كما قلنا: أحيانا تكون الصلة واضحة، وأحيانا تحتاج إلى تأمل، ومن هذا المعنى والمعاني الأخرى التي ذكرناها حول ترتيب القرآن نجد أن هذا الترتيب للقرآن فيه من أنواع الإعجاز ما لا يحيط به البشر، فما أكثر جنون أولئكم الذين لا يدركون أسرار هذا الترتيب، ويطالبون بترتيب آخر أو يعترضون على هذا الترتيب، وما أكثر ما أخطأ- وغفر الله له- من حاول أن يفسر القرآن على غير ترتيبه الحالي، كأن فسره على حسب ترتيب النزول في زعمه، وهو موضوع لا توجد أدواته أصلا ولا أدلته بشكل يستقصي القرآن كله، وذلك من فعل الله لهذا القرآن؛ حتى لا تفكر الأمة إلا بهذا الترتيب الخاص لما يحويه من إعجاز ويترتب عليه من مصالح.
...
لقد رأينا في المجموعة المارة معنا- وهي المجموعة الأولى من المفصل- كيف أنها فصلت في مقدمة سورة البقرة، والمقطع الأول من القسم الأول من السورة، ورأينا أدلة ذلك وتوجيهه، ورأينا صلة نهاية السورة منها ببداية ما بعدها، وسنلاحظ في كل المجموعات الآتية من المفصل أنها تفصل في حدود هذه الآيات من سورة البقرة، ولا تتجاوزها لما بعدها، بينما رأينا أن مجموعات القسم الأول والثاني وبعض مجموعات القسم الثالث تفصل في هذا، وفيما يأتي بعده من سورة البقرة، واقتصار المفصل على هذا الحد من التفصيل يشير إلى أن تفصيل هذه الآيات هو الأساس الذي يبنى عليه