فكتاب هذا شأنه هل يشك إلا مجنون جاهل أعمى في أنه من عند الله عزّ وجل، كيف ومع تقادم العصور تجد معانيه تسبق العصور، وتتحدى أن يستطيع أحد أن ينقض معنى منها. وقبل أن ننتقل إلى المجموعة الثانية من قسم المفصل نحب أن نذكر بما يلي:
١ - هناك تكامل بين معاني السورة الواحدة ودليله وحدة معانيها، وهناك تكامل بين سور المجموعة الواحدة، والمجموعة التي بين أيدينا تصلح نموذجا على ذلك، فقد بدأت المجموعة في الذاريات التي تحدثت عن القيامة، وختمت المجموعة بسورة الواقعة، ولقد تكامل الكلام عن التقوى في سور الذاريات والطور والنجم، وجاءت سورة القمر- وفيها إنذار- لتدفع نحو التقوى، وجاءت سورة الرحمن- وفيها تذكير بالنعمة- لتدفع نحو التقوى، ثم جاءت سورة الواقعة لتكمل الدفع نحو الوصول.
٢ - وكما أن هناك تكاملا بين معاني السورة الواحدة، وتكاملا بين سور المجموعة، فإن تكاملا بين مجموعات القسم كائن، وسنتعرض لهذا أثناء عرضنا لهذا القسم، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.
٣ - وكل قسم من الأقسام يكمل بقية الأقسام، فقسم المفصل يكمل تفصيل قسم المثاني، وقسما المثاني والمفصل يكملان تفصيل قسم المئين، والأقسام الثلاثة تكمل تفصيل قسم الطوال، ولهذا كله قواعده وأسرار انتظامه، وكل ذلك قد ربط بخيوط إلى سورة البقرة، فكأنها الأصل الذي ينبثق عنه بانتظام فروع أولى، ثم فروع ثانية، ثم فروع ثالثة، ثم فروع رابعة، فكأنها شجرة فيها أربع وعشرون طبقة، كل طبقة لها فروعها وثمارها، وكل طبقة ترتبط بآيات سورة البقرة بخيوط منتظمة.