١٧ - بمناسبة قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ قال ابن كثير:
(أي: وجعلنا الحديد رادعا لمن أبي الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية وكلها جدال مع المشركين، وبيان وإيضاح للتوحيد وبينات ودلالات، فلما قامت الحجة على من خالف، شرع الله الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف، وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده. وقد روى الإمام أحمد وأبو داود ... عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم»).
١٨ - بمناسبة قوله تعالى: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ قال ابن كثير: (وقد روى ابن أبي حاتم ... عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ابن مسعود» قلت لبيك يا رسول الله قال: «هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق، فرقة قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم عليه السلام فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم، فقاتلت الجبابرة، فقتلت فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت وهم الذين ذكر الله تعالى وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ».
وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي ... عن سهل بن أبي أمامة دخل هو وأبوه على أنس ابن مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير وهو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها، فلما سلم قال: يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أم شئ تنفلته؟ قال: إنها المكتوبة وإنها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم؛ فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم» ثم غدوا من الغد فقالوا نركب فننظر ونعتبر قال: نعم فركبوا جميعا فإذا هم بديار قفر قد باد أهلها وانقرضوا وفنوا خاوية