لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً وهذا قول ثان، وهو مروي عن سعيد بن جبير أيضا، وقال الحسن: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا إله إلا الله، ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تلبد عليه جميعا. وقال قتادة في قوله تعالى:
وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً قال: تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه، وهذا قول ثالث، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، وقول ابن زيد، وهو اختيار ابن جرير، وهو الأظهر).
٨ - بمناسبة قوله تعالى: قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً قال ابن كثير: (في هذه الآية الكريمة دليل على أن الحديث الذي يتداوله كثير من الجهلة من أنه عليه الصلاة والسلام لا يؤلف تحت الأرض كذب لا أصل له، ولم نره في شئ من الكتب، وقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن وقت الساعة فلا يجيب عنها، ولما تبدى له جبريل في صورة أعرابي كان فيما سأله أن قال: يا محمد فأخبرني عن الساعة؟ قال:«ما المسئول عنها بأعلم من السائل» ولما ناداه ذلك الأعرابي بصوت جهوري فقال: يا محمد متى الساعة؟ قال:«ويحك إنها كائنة فما أعددت لها؟» قال: أما إني لم أعد لها كثير صلاة ولا صيام ولكني أحب الله ورسوله قال: «فأنت مع من أحببت» قال أنس: فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث. وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده إنما توعدون لآت»).
٩ - بمناسبة قوله تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ نحب أن نقرر أن كل ما دخل في عالم الأسباب لا تعتبر معرفته من أمر الغيب، فتوقع الخسوف والكسوف، وتوقع هطول المطر من خلال معرفة بعض الظواهر الجوية، ومعرفة بعض الحوادث الواقعة من خلال الجن وأمثال هذه المعاني لا تدخل في علم الغيب، وبمناسبة هذا النص قال النسفي:(والولي إذا أخبر بشيء فظهر فهو غير جازم عليه ولكنه أخبر بناء على رؤياه أو بالفراسة، على أن كل كرامة للولي فهي معجزة للرسول، وذكر في التأويلات: قال بعضهم في هذه الآية بدلالة تكذيب المنجمة، وليس كذلك، فإن فيهم من يصدق خبره، وكذلك المتطببة يعرفون طبائع النبات). أقول: ما يعرف بالتجربة البشرية لا يدخل في علم الغيب، إلا إذا كان الإخبار به على وجه معجز، والجن قد يخبرون بالأمر الواقع وليس ذلك من علم