العلم والعمل والتربية والسلوك، والمجموعة التي مرت معنا ذكرت المنافقين في مكان واحد، وركزت على أخلاق الكافرين، فعلينا أن ننتبه إلى ما ذكرناه في القرآن كله.
٢ - المجموعة التي مرت معنا ركزت على الأساس والطريق، وقد رأينا فيها الجديد الكثير، فمع أن مجموعات كثيرة فصلت فيما فصلت به هذه المجموعة فإن الكثير مما ذكرته كان جديدا، ومن هنا نحب أن نؤكد ما ذكرناه من قبل في هذا التفسير وهو:
لئن كانت المعاني القرآنية ترجع إلى أصول، والأصول ترجع إلى أصول أقل، فإن فروع هذه الأصول لا تتناهى، وتفصيلات هذه الأصول وحيثياتها كثيرة، ولذلك فلا ينبغي أن يتصور متصور أن بعض القرآن يغني عن بعض. نعم كل جزء من القرآن كاف للتذكير، وكل جزء منه فيه خصائص القرآن كله، ولكن للمعاني القرآنية أصولا وفروعا مبثوثة في القرآن كله. إن فاتحة القرآن قد استوعبت المعاني القرآنية، وإن سورة البقرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن كادت لتستحصي الدين كله» وإن المجموعات القرآنية تفصل في معان مذكورة في سورة البقرة على ترتيب معين، ولكن في كل سورة جديد، إن في الأصول أو في الفروع التي تنبثق عن هذه الأصول، أو في صلة الأصول بالفروع، أو في صلة الفروع بالفروع والأصول بالأصول، وهذا يعني أن على الراغب في القرآن ألا يستغني ببعضه عن بعض، إلا لعجز عن
الكل فعندئذ يتخير في الحفظ والدراسة أما في التلاوة فعليه أن يضرب من أول القرآن إلى خاتمته، نقول هذا بمناسبة قوله تعالى في سورة المزمل: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا وبمناسبة ما تعطينا إياه هذه المجموعة بوضوح: أن في كل مجموعة في القرآن جديدا.
٣ - عند عرض المجموعة السابقة استقصينا بقدر استطاعتنا أن نبرز سياق السورة الخاص، وأن نبرز صلة كل سورة بما قبلها وما بعدها، وصلة كل سورة بمحورها من سورة البقرة، وقد أخذت سورة المدثر حظها من ذلك، ولذلك فلا نجد ما نضيفه هنا سوى أن نذكر بجانب عملي، هو أنك تجد في آية من الآيات مجموعة أقوال كآية وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وهذه الأقوال يحتملها النص، وكلها عملية، أي: إن كل قول يعطينا جانبا عمليا تطبيقيا، فعلينا في مثل هذه الأحوال أن نأخذ حظنا من الالتزام بالجميع، فإن ذلك من حكمة مجئ النص على هذه الشاكلة، وذلك يجعل أمام المسلمين مجالات يتفاوتون فيها في التقوى والكمال، فالأكمل من يعطي التطبيق أوسع مداه.