حساب وجزاء. وأن تكون رحلته على هذه الأرض ابتلاء ينتهي إلى الحساب والجزاء ... أما هذا التصور الدقيق المتناسق، والشعور بما وراءه من ألوهية قادرة مدبرة حكيمة، تفعل كل شئ بقدر، وتنهي كل شئ إلى نهاية ... أما هذا فكان أبعد شئ عن تصور الناس ومداركهم في ذلك الزمان.
والذي يميز الإنسان عن الحيوان، هو شعوره باتصال الزمان والأحداث والغايات. وبوجود الهدف والغاية من وجوده الإنساني، ومن الوجود كله من حوله.
وارتقاؤه في سلم الإنسانية يتبع نمو شعوره هذا وسعته، ودقة تصوره لوجود الناموس، وارتباط الأحداث والأشياء بهذا الناموس. فلا يعيش عمره لحظة لحظة، ولا حادثة حادثة، بل يرتبط في تصوره الزمان والمكان والماضي والحاضر والمستقبل. ثم يرتبط هذا كله بالوجود الكبير ونواميسه. ثم يرتبط هذا كله بإرادة عليا خالقة مدبرة لا تخلق الناس عبثا ولا تتركهم سدى.
وهذا هو التصور الكبير الذي نقل القرآن الناس إليه منذ ذلك العهد البعيد، نقلة هائلة بالقياس إلى التصورات السائدة إذ ذاك، وما تزال هائلة بالقياس إلى سائر التصورات الكونية التي عرفتها الفلسفة قديما وحديثا).
٨ - بمناسبة قوله تعالى: أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى قال ابن كثير: (وروى أبو داود عن إسماعيل بن أمية قال: سمعت أعرابيا يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ منكم بالتين والزيتون فانتهى إلى آخرها أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ فانتهى إلى قوله: أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى فليقل: بلى، ومن قرأ: وَالْمُرْسَلاتِ فبلغ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فليقل آمنا بالله» ورواه أحمد عن سفيان بن عيينة ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة به، وقد رواه شعبة عن إسماعيل بن أمية قال: قلت له: من حدثك: قال: رجل صدق عن أبي هريرة، وروى ابن جرير ... عن قتادة، قوله تعالى: أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: «سبحانك وبلى». ثم روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه مر بهذه الآية أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى؟ قال: