للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ وكيف أن فيه معجزة علمية يدركها من عرف تدرج النظريات في شأن نشأة الجنين ومن كلامه في هذا المقال نقتطف ما يلي:

(لم تكن البشرية تعرف شيئا عن النطفة الأمشاج ... فقد كان الاعتقاد السائد لدى الفلاسفة أن الجنين الإنساني إنما يتكون نتيجة ماء الرجل ... وأن رحم المرأة ليس إلا محضنا لنمو ذلك الجنين، وشبهوا ذلك بالذرة ترمى في الأرض فتأخذ منها الغذاء فتخرج منها شجرة يانعة ... فليس للمرأة دور في الجنين سوى رعايته وتغذيته ...

أما أن يكون الولد نتيجة مشج ماء الرجل وماء المرأة فأمر لم تعرفه الإنسانية إلا على لسان أنبياء ... وكما قال ذلك اليهودي الذي استشهدت به قريش: كذلك كان يقول من كان قبلك من الأنبياء. أما خارج نطاق النبوة فقد ظلت الإنسانية في عمى كامل حتى العصور الحديثة.

ولقد ظلت النظرية السائدة- والقائلة بأن الجنين الإنساني ليس إلا نتيجة للحيوان المنوي فحسب- ظلت هذه النظرية مسيطرة على الفكر البشري حتى بعد أن قام العالمان: هام، وليفن هوك عام ١٦٧٧ باكتشاف الحيوان المنوي، وبعد أن قام جراف باكتشاف البويضة عام ١٦٧٢. ومن ذلك التاريخ ظهرت نظرية أخرى تقول بأن البويضة تحتوى على الجنين الإنساني كاملا ... وأن دور الحيوان المنوي هو فقط في تنشيط البويضة. ولكن ليس له أي دور في تكوين الجنين. وظلت هاتان النظريتان تتصارعان حتى عام ١٧٤٥ م عند ما اكتشف العالم بونيه بأن بويضات بعض الحشرات تنمو إلى أجنة كاملة دون الحاجة مطلقا إلى الذكر (الولادة بدون ذكر أو أب).

وعندئذ بدا أن أصحاب البويضة قد حققوا انتصارا دامغا على خصمائهم من أصحاب النظرية الأخرى التي تنسب الجنين إلى الحيوان المنوي فقط.

واستمرت مع ذلك هذه المعارك حتى ظهر سبالانزاني الذي عاش ما بين ١٧٢٧ - ١٧٩٩، ووولف الذي عاش في الفترة ما بين ١٧٣٣ إلى ١٧٩٤، اللذان أظهرا بالتجارب أن كلا من البويضة والحيوان المنوي يساهمان في تكوين الجنين ... وقدم وولف نظريته القائلة بأن البويضة الملقحة تتكاثر وتنقسم لتكون الجنين طورا بعد طور، ومرحلة بعد مرحلة ... وقد كانت النظرية السائدة حتى ذلك الحين بأن الجنين موجود بصورة مصغرة في الحيوان المنوي كما يقول أصحاب نظرية الحيوان المنوي، أو موجود بصورة مصغرة في البويضة كما يقول أصحاب نظرية البويضة ... وأنه ليس هناك إلا النمو

<<  <  ج: ص:  >  >>