خلافه، والقول بأن ما تضمنته هاتيك الأخبار كان منه عليه الصلاة والسلام- قبل علمه صلى الله تعالى عليه وسلم بأن الأطفال في الجنة- بعيد عندي، نعم جوز أن يكون قد أخبر صلى الله تعالى عليه وسلم بأنهم من أهل النار، بناء على إخبار الوحي به، كإخباره بالوعيدات التي يعفو الله تعالى عنها من حيث إنه مقيد بشرط، كأن لم يشملهم الفضل مثلا لكنه لم يذكر معه كما لم يذكر معها لحكمة، ثم أخبر عليه الصلاة والسلام بأنهم من أهل الجنة؛ بناء على إخبار الوحي به أيضا، ويكون متضمنا للإخبار بأن شرط كونهم من أهل النار لا يتحقق، فضلا من الله تعالى وكرما، ويكون ذلك كالعفو عما يقتضيه الوعيد، ومثل ذلك إخباره بما ذكر بناء على مشاهدة كونهم في الجنة عند إبراهيم عليه السلام فتأمل).
٧ - هناك قراءتان في قوله تعالى: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ القراءة الأولى بالضاد والثانية بالظاء أي: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ أي: بمتهم وقد فرق عامة المفسرين بين
كلمتي (الضنين) و (الظنين) كما رأينا، وقال سفيان بن عيينة: ظنين وضنين سواء، وعلى هذا القول فهناك صلة بين البخل والتهمة، فلا محمد صلى الله عليه وسلم متهما في أمر البلاغ، ولا بخيلا به.
٨ - بمناسبة قوله تعالى: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ قال ابن كثير: (كما قال الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين وأمرهم فتلوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة الكذاب- الذي هو في غاية الهذيان والركاكة- فقال: ويحكم أين تذهب عقولكم؟ والله إن هذا الكلام لم يخرج من إل أي: من إله).
٩ - بمناسبة قوله تعالى: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قال صاحب الظلال: (وذلك كيلا يفهموا أن مشيئتهم منفصلة عن المشيئة الكبرى، التي يرجع إليها كل أمر. فإعطاؤهم حرية الاختيار، ويسر الاهتداء، إنما يرجع إلى تلك المشيئة. المحيطة بكل شئ كان أو يكون.
وهذه النصوص التي يعقب بها القرآن الكريم عند ذكر مشيئة الخلائق، يراد بها تصحيح التصور الإيماني وشموله للحقيقة الكبيرة: حقيقة أن كل شئ في هذا الوجود مرده إلى مشيئة الله. وأن ما يأذن به للناس من قدرة على الاختيار هو طرف من مشيئته ككل تقدير آخر وتدبير. شأنه شأن ما يأذن به للملائكة من الطاعة المطلقة لما يؤمرون، والقدرة الكاملة على أداء ما يؤمرون. فهو طرف من مشيئته كإعطاء الناس