محاضرة له في دمشق ١٩٥٣ أنه بعملية رياضية (غير متناهية) يتضح أن جميع المال في الأرض صائر إلى عدد قليل جدا من المرابين. ذلك أن الدائن المرابي يربح دائما في كل عملية، بينما المدين معرض للربح والخسارة. ومن ثم فإن المال كله في النهاية لا بد بالحساب الرياضي- أن يصير إلى الذي يربح دائما! وأن هذه النظرية في طريقها للتحقق الكامل. فإن معظم مال الأرض الآن يملكه- ملكا حقيقيا- بضعة ألوف! أما جميع الملاك، وأصحاب المصانع الذين يستدينون من البنوك، والعمال وغيرهم، فهم ليسوا سوى أجراء يعملون لحساب أصحاب المال، ويجني ثمرة كدهم أولئك الألوف.
وليس هذا وحده كل ما للربا من جريرة. فإن قيام النظام الاقتصادي على الأساس الربوي يجعل العلاقة بين أصحاب الأموال وبين العاملين في التجارة والصناعة علاقة مقامرة ومشاكسة مستمرة. فإن المرابي يجتهد في الحصول على أكبر فائدة. ومن ثم يمسك المال حتى يزيد اضطرار التجارة والصناعة إليه فيرتفع سعر الفائدة؛ ويظل يرفع السعر حتى يجد العاملون في التجارة والصناعة أنه لا فائدة لهم من استخدام هذا المال، لأنه لا يدر عليهم ما يوفون به الفائدة ويفضل لهم منه شئ .. عندئذ ينكمش حجم المال المستخدم في هذه المجالات التي تشتغل فيها الملايين، وتضيق المصانع دائرة إنتاجها، ويتعطل العمال، فتقل القدرة على الشراء. وعند ما يصل الأمر إلى هذا الحد، ويجد المرابون أن الطلب على المال قد نقص أو توقف، يعودون إلى خفض سعر الفائدة اضطرارا. فيقبل عليه العاملون في الصناعة والتجارة من جديد، وتعود دورة الحياة إلى الرخاء .. وهكذا دواليك تقع الأزمات الاقتصادية الدورية العالمية. ويظل البشر هكذا يدورون فيها كالسائمة.!
ثم إن جميع المستهلكين يؤدون ضريبة غير مباشرة للمرابين. فإن أصحاب الصناعات والتجار لا يدفعون فائدة الأموال التي يقترضونها بالربا إلا من جيوب المستهلكين، فهم يزيدونها في أثمان السلع الاستهلاكية فيتوزع عبؤها على أهل الأرض لتدخل في جيوب المرابين في النهاية. أما الديون التي تقترضها الحكومات من بيوت المال لتقوم بالإصلاحات والمشروعات العمرانية فإن رعاياها هم الذين يؤدون فائدتها للبيوت الربوية