كذلك. إذ إن هذه الحكومات تضطر إلى زيادة الضرائب المختلفة لتسدد منها هذه الديون وفوائدها. وبذلك يشترك كل فرد في دفع هذه الجزية للمرابين في نهاية المطاف .. وقلما ينتهي الأمر عند هذا الحد، ويكون الاستعمار هو نهاية الديون .. ثم تكون الحروب بسبب الاستعمار! ونحن هنا- في ظل القرآن- لا نستقصي كل عيوب النظام الربوي فهذا مجاله بحث مستقل- فنكتفي بهذا القدر لنخلص منه إلى تنبيه من يريدون أن يكونوا مسلمين إلى جملة حقائق أساسية بصدد كراهية الإسلام للنظام الربوي المقيت:
الحقيقة الأولى: التي يجب أن تكون مستيقنة في نفوسهم أنه لا إسلام يبيح قيام نظام ربوي في مكان. وكل ما يمكن أن يقوله أصحاب الفتاوى من رجال الدين أو غيرهم سوى هذا دجل وخداع. فأساس التصور الإسلامي- كما بينا- يصطدم اصطداما مباشرا بالنظام الربوي، ونتائجه العملية في حياة الناس وتصوراتهم وأخلاقهم.
والحقيقة الثانية: أن النظام الربوي بلاء على الإنسانية- لا في إيمانها وأخلاقها وتصورها للحياة فحسب- بل كذلك في صميم حياتها الاقتصادية والعملية. وأنه أبشع نظام يمحق سعادة البشرية محقا، ويعطل نموها الإنساني المتوازن، على الرغم من الطلاء الظاهري الخداع، الذي يبدو كأنه مساعدة من هذا النظام للنمو الاقتصادي العام!.
والحقيقة الثالثة: أن النظام الأخلاقي والنظام العملي في الإسلام مترابطان تماما، وأن الإنسان في كل تصرفاته مرتبط بعهد الاستخلاف وشرطه، وأنه مختبر ومبتلى وممتحن في كل نشاط يقوم في حياته، ومحاسب عليه في آخرته. فليس هناك نظام أخلاقي وحده، ونظام عملي وحده، وإنما هما معا يؤلفان نشاط الإنسان، وكلاهما عبادة يؤجر عليها إن أحسن، وإثم يؤاخذ عليه إن أساء. وأن الاقتصاد الإسلامي الناجح لا يقوم بغير أخلاق، وأن الأخلاق ليست نافلة يمكن الاستغناء عنها ثم تنجح حياة الناس العملية.
والحقيقة الرابعة: أن التعامل الربوي لا يمكن إلا أن يفسد ضمير الفرد وأخلاقه،