للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: فبالذي خلق السماء والأرض، ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟ قال: «نعم» قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: «صدق» قال:

فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا، قال: «صدق» قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال: «صدق» قال: ثم ولى فقال:

والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهم شيئا ولا أنقص منهن شيئا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن صدق ليدخلن الجنة» وقد رواه مسلم).

وبمناسبة هذه الآيات قال النسفي: (وتخصيص هذه الأربعة باعتبار أن هذا خطاب للعرب، وحث لهم على الاستدلال، والمرء إنما يستدل بما تكثر مشاهدته له، والعرب تكون في البوادي، ونظرهم فيها إلى السماء والأرض والجبال والإبل، فهي أعز أموالهم، وهم لها أكثر استعمالا منهم لسائر الحيوانات، ولأنها تجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان: وهي النسل، والدر، والحمل، والركوب، والأكل بخلاف غيرها، ولأن خلقها أعجب من غيرها فإنه سخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تعارض ضعيفا ولا تمانع صغيرا، وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار، وجعلها بحيث تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر، ثم تنهض بما حملت وتجرها إلى البلاد الشاحطة، وصبرها على احتمال العطش حتى إن ظمأها ليرتفع إلى العشر فصاعدا، وجعلها ترعى كل نابت في البراري مما لا يرعاه سائر البهائم).

قال صاحب الظلال: (وتجمع هذه الآيات الأربعة القصار، أطراف بيئة العربي المخاطب بهذا القرآن أول مرة. كما تضم أطراف الخلائق البارزة في الكون كله. حين تتضمن السماء والأرض والجبال والجمال (ممثلة لسائر الحيوان) على مزية خاصة بالإبل في خلقها بصفة عامة وفي قيمتها للعربي بصفة خاصة.

إن هذه المشاهد معروضة لنظر الإنسان حيثما كان .. السماء والأرض والجبال والحيوان .. وأيا كان حظ الإنسان من العلم والحضارة فهذه المشاهد داخلة في عالمه وإدراكه. موحية له بما وراءها حين يوجه نظره وقلبه إلى دلالتها.

إن المشهد الكلي يضم مشهد السماء المرفوعة والأرض المبسوطة. وفي هذا المدى المتطاول تبرز الجبال «منصوبة» السنان لا راسية ولا ملقاة، وتبرز الجمال منصوبة السنام .. خطان أفقيان وخطان رأسيان في المشهد الهائل في المساحة الشاسعة. ولكنها

<<  <  ج: ص:  >  >>