عليه في الدنيا من خير وشر، أي يا ربنا نحن نعلم هذا ونقر به، لذلك استجب ما دعوناك به فى دعوتنا الأولى: أن لا تزغ قلوبنا وأن ترحمنا. فهذا حال الراسخين في العلم أصحاب العقول والأفهام، الذين يعرفون لله ألوهيته ووحدانيته وقيوميته وعزته وانتقامه وإحاطة علمه، هكذا يكون موقفهم من كتابه وهذا حالهم في الخوف منه.
إن معرفة الله مرتبطة بمعرفة هديه- المتمثل بكتابه- مع الإيمان به والتسليم له، ومن لم تجتمع له هذه المعاني لا يكون عارفا بالله، إذ كيف يؤمن بالله وألوهيته وقيوميته وعلمه، وهو يتصور أن الله لا يتدخل في شئون خلقه ولا يهديهم، وهو ينكر ما أنزل الله ويكذبه؟!! ولذلك نلاحظ أنه بعد ما ذكر الموقف الصحيح لأهل الإيمان منه- جل جلاله- ومن كتابه، هدد الكافرين في الآيتين العاشرة والحادية عشرة، فأخبر عن الكفار بأنهم وقود النار، وأن أموالهم وأولادهم لن تنفعهم عند الله، فتمنع عنهم عذاب الله في الدنيا والآخرة، بل يهلكون ويعذبون في الدنيا، ويعذبون يوم القيامة، كما جرى لآل فرعون، ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاءوا به؛ إذ إن من صفات الله أنه شديد العقاب، أي: شديد الأخذ، أليم العذاب، لا يمنع منه أحد، ولا يفوته شئ؛ بل هو الفعال لما يريد، الذي غلب كل شئ؛ لا إله غيره، ولا رب سواه، وإذ بين الله- عزّ وجل- أن الكافرين يستحقون عقوبته في الدنيا والآخرة، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم- وهو أمر لنا- أن يقول للكافرين: أن عليهم الغلبة في الدنيا- وهذا بما استحقوا من عقوبة الله لهم في الدنيا- ولهم في الآخرة عذاب جهنم. وفي الآية الثالثة عشرة ذكر الله- عزّ وجل- دليلا على أن الكافرين مغلوبون بما حدث يوم بدر من آيات، كان من آثارها أن غلب المؤمنون- على قلتهم- الكافرين. وفي الآية الرابعة عشرة يخبر تعالى عما زين للناس من الملاذ من النساء والبنين، وبدأ بالنساء؛ لأن الفتنة بهن أشد، ثم ذكر ما زين للناس من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم، والأراضي المتخذة للغراس والزراعة، ثم بين أن هذا إنما هو زهرة الحياة الدنيا، وزينتها الفانية الزائلة، وأن الله عنده حسن المرجع والثواب.
هذا مضمون الآية الرابعة عشرة؛ فما الصلة بينها وبين المقطع عامة؟. رأينا أن المقطع يدور حول موضوع معين هو وحدانية الله وقيوميته، وأن من آثار ألوهية الله وقيوميته أنه أنزل الكتب. وهذه الآية مرتبطة بهذا المعني: فمن آثار قيومية الله أن زين للناس حب الشهوات؛ حتى تقوم هذه الحياة الدنيا؛ فلولا حب النساء ما كان زواج، ولو لم يكن زواج ما كانت الحياة الدنيا، ولولا حب البنين ما ربى أحد أولاده؛ وبالتالي