وكما أن الصلة بين القسمين السابقين وهذا القسم واضحة بشكل عام، فالصلة بين الآيات السابقة على هذا القسم وبين بدايته كذلك واضحة، فبعد أن قرر الله- عزّ وجل- الحق في شأن عيسى الذي عبده النصارى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جاء خطاب لأهل الكتاب بأن يعبدوا الله وحده: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ.
لقد جاء القسم الأول دعوة إلى الدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم وجاء القسم الثاني مبينا أن محمدا صلى الله عليه وسلم داخل في المصطفين؛ فهو من آل إبراهيم، وأن ما يدعوا إليه في شأن عيسى هو الحق، وجاء القسم الثالث ليدعو أهل الكتاب إلى هذا الحق ويحاورهم فيه وتتسلسل المعاني في هذا القسم على ذاتية خاصة به.
فهو يبدأ بالدعوة إلى عبادة الله وحده، ثم في تأنيب أهل الكتاب على دعاواهم أن إبراهيم يهودي، أو نصراني، وتبيان أن أولى الناس بإبراهيم هو محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون، ثم يبين القسم رغبة أهل الكتاب في إضلال المسلمين، ويؤنب أهل الكتاب على الكفر، وخلط الحق بالباطل، وكتمانهم الحق. ثم يبين القسم بعض خططهم لإضلال المسلمين، وبعض اعتقاداتهم التي تجعل بعضهم يستبيح الخيانة، مع أن القاعدة الكلية المقبولة عند الله تعالى هي الوفاء بالعهود، ثم يقص الله علينا بعضا من أخلاقهم، ومواقفهم ويرد عليهم فيها ثم يدعوهم إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالإسلام، ويؤنبهم على أن يتجهوا إلى غير ذلك. ثم يبين أن هؤلاء لا يستحقون الهداية، إذ إنهم كانوا مؤمنين فكفروا، إلا إذا اجتمع للواحد منهم التوبة والإصلاح. ثم يبين الله لهؤلاء الكافرين ما أعده لهم من عذاب إن أصروا على الكفر، وماتوا عليه.
ثم يبين لهم، ولنا بعضا مما يدخل في ماهية البر، وأن النسخ قائم في شريعتهم، وذلك لأنهم بحجة عدم جواز النسخ يرفضون الدخول في الإسلام. وإذ كانت قضية القبلة من شبههم، فإن كلاما عن بيت الله الذي بناه إبراهيم عليه السلام يأتي وفيه تبيان لشرف