للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والملاحظ أن الفقرة التي مرت معنا، وهي الفقرة الثالثة في مقطعها قد ذكرت ثلاث معان رئيسية: البخل، والابتلاء الذي يقتضي الصبر، ومنه الصبر على إيذاء أهل الكتاب، والمعنى الثالث كتمان أهل الكتاب. وقد رأينا أن المقطع الثالث الذي نفسره يفصل في مقطع الصبر من سورة البقرة، الذي فيه ذكر الابتلاء والصبر عليه، والذي فيه ذكر الكتمان. فلو أنك تأملت الفقرة التي بين أيدينا، لرأيتها تفصل في حيزها الأول في قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ من مقدمة سورة البقرة، وتفصل في حيزها الثاني في الابتلاء والكتمان من مقطع الصبر في سورة البقرة.

وهذا يؤكد أن سورة آل عمران تفصل في مقدمة سورة البقرة، وامتدادات معانيها، وبشكل يربط ويدل على صلة المعاني الواردة في سورة البقرة، بما له صلة بالمقدمة

بشكل مباشر، ولو أنك نظرت إلى الكتمان، لرأيت أن له صلة بقوله تعالى:

الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. ولو أنك نظرت إلى الصبر على إيذاء أهل الكتاب، والصبر على الابتلاء، لرأيت له صلة بالإيمان بالغيب.

فصلة الفقرة إذن في تفصيل مقدمة سورة البقرة، وامتدادات معانيها موجودة، ألا ترى مثلا أن قوله تعالى في الفقرة الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ، قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ ...

فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ألا ترى أن لهذا صلة مباشرة بقوله تعالى في مقدمة سورة البقرة: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ.

إنك كيف تأملت تجد روابط بمقدمة سورة البقرة، والمعاني الأكثر لصوقا بها من سورة البقرة. إن سورة آل عمران تشد المعنى المرتبط بمقدمة سورة البقرة إلى جزء في هذه المقدمة، ثم تفصل فيه، ثم تشد جزءا آخر، ثم تفصل فيه، وهكذا ضمن سياقها الخاص بها. فمثلا في سورة البقرة جاءت آية الكرسي ضمن سياقها وهي مبدوءة بقوله تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ولذلك صلة بمقدمة سورة البقرة، سواء من حيث الإيمان بالغيب، أو إنزال الكتاب. وجاءت سورة آل عمران لتشد هذا المعنى إلى المقدمة فتفصل في ذلك، وبذلك بدأت السورة كما رأينا.

ولئن قصر تعبيرنا في موطن من هذا التفسير عن التدليل، فإن في مجموع ما سنذكره في هذا التفسير لدليلا- إن شاء الله- على صحة اتجاهنا.

هناك ارتباط بين الصبر والتقوى، لذلك رأينا من قبل في سورة آل عمران:

<<  <  ج: ص:  >  >>