وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ورأينا في هذه الفقرة:
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وهذا يؤكد الارتباط المباشر بين مقدمة سورة البقرة ومجموعة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ..
رأينا أن الصلة بين فقرات هذه المقطع واضحة، من حيث إن المقطع كله يصحح مفاهيم، وهو مرتبط بالمقطع السابق عليه، كذلك بهذا القاسم المشترك، وأما الصلة بين الفقرة التي مرت معنا، وبين بداية القسم الذي نهى عن طاعة أهل الكفر، ووعد المؤمنين بالرعاية والنصرة، وإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، فمن حيث إنه أرانا مواقف للكافرين كل منها تقتضي ألا نطيعهم، ومن حيث إنه وطن أنفسنا على الكثير مما سنواجهه، فحمل الدعوة والاستقامة عليها، وكسب النصر في الله ليس سهلا، ولعل الصلة بين معاني الفقرة لا تخفى على المدقق، فأهل الكتاب بخلوا، والسبب هو الدنيا، وآذوا المسلمين، وكان المفروض أن يؤمنوا بما آمن به المسلمون لأن هذا مقتضى الميثاق المأخوذ عليهم بالبيان. والصلات في الفقرة أوسع وأعمق وأبعد.
هناك ناس يبخلون، فما السر في بخلهم: إن السر في بخلهم اعتقاد فاسد ونسيان للموت، فهم يعتقدون أن الله هو المكلف برزق الفقراء، وذلك أثر عن عدم الإيمان بالرسل، فالبخل في أرضيته الواسعة يعود إلى مثل هذا، لذلك استطردت الفقرة إلى هذه الشئون. ثم إن من أسباب البخل نسيان الموت، ونسيان الحساب والجنة والنار، لذلك جاء في السياق كلام عن ذلك. وبسبب من هذا فالبخلاء يشكلون كتلة اقتصادية تستند إلى أرضية اعتقادية، وهم كتلة في مقابل الكتلة الإيمانية، والصراع بين الكتلتين سيترتب عليه ابتلاء وإيذاء لأهل الإيمان، ومن ثم جاء كلام عن ذلك.
وكأصل لعلة البخل، وكأصل لتكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام، يأتي موضوع كتمان الكتاب من أهل الكتاب، ولذلك تختم الفقرة بهذا المعنى، ولكن آية الكتمان هنا تأتي بعد الآية التي تذكر الابتلاء والإيذاء، فكأنها في الوقت نفسه تقول:
أيها المؤمنون احذروا أن يمنعكم الابتلاء والإيذاء من أن تظهروا حكم الله وتبينوه.
وهكذا تجد أكثر من وشيجة تربط بين آيات الفقرة.
ولنتذكر الآن شيئا، كنا في مقطع الصبر من سورة البقرة ذكرنا الحكمة في مجئ آية