للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن أمر الآيات إلى الله، وأن الآيات عنده كثيرة، وما أنزل فيه كفاية ولكنّهم متعنّتون، ولذلك خاطب المؤمنين مبيّنا لهم أن الكافرين إذا جاءتهم الآيات التي يقترحونها فإنّهم لا يؤمنون- وذلك لأنّ سنّة الله أنّ من لم يؤمن أوّل مرّة بما أنزله الله مع قيام الحجة عليه فيه فإنّه لا يؤمن أبدا لأن الله يقلّب قلوب هؤلاء وأفئدتهم؛ جزاء لهم على

عدم الإيمان، ولذلك فإنهم لو جاءتهم الآيات المقترحة فإنهم يرفضونها ويبقون في كفرهم وضلالهم يلعبون ويتردّدون ويتحيّرون، ثمّ بيّن تعالى أنّه لو أجاب سؤال هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها، فنزّل عليهم الملائكة تخبرهم بالرّسالة من الله بتصديق الرسل، ولو بعث لهم الموتى فكلّموهم وأخبروهم بصدق ما جاءتهم به الرسل، ولو أنّه حشر عليهم الأمم فعرضت عليهم أمة بعد أمة فأخبرهم الجميع بصدق الرسل فيما جاءوهم به، ولو حدث هذا كله فإنّه ما كان لهم أن يؤمنوا إلا إذا شاء الله هدايتهم، وهو إن هدى يهدي فضلا، وإن أضل يضل عدلا. يهدي من يستحق الهداية، ويضل من يستحق الضلال، وذلك من آثار علمه وحكمته وسلطانه وقهره وغلبته، ولكنّ أكثر الخلق جاهلون بالله وبسننه، وفي ذلك أمر للمؤمنين ألا يكونوا من الجاهلين وإذ تقررت هذه المعاني يخبر الله- عزّ وجل- رسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بسنة من سننه هي أنّه:

- كما جعل لمحمد صلّى الله عليه وسلّم أعداء يخالفونه ويعاندونه فقد جعل لكل نبي من قبله أيضا أعداء من شياطين الإنس والجن يلقي بعض هؤلاء إلى الآخر القول المزيّن المزخرف، وهو المزوق الذي يغتر سامعه- من الجهلة- بأمره، وذلك كله بقدر الله وقضائه ومشيئته. فدع يا محمد ومن اتبعك هذا القول الكاذب المزخرف الغرور وأهله.

فإن الذين لا يؤمنون بالآخرة هم الذين تميل قلوبهم وعقولهم وأسماعهم إليه، فليرض هؤلاء هذا الزّخرف، وليتبنّوه وليكتسبوا ما هم مكتسبون، وليعملوا ما هم عاملون، فلهم طريق ولك ولأتباعك طريق. ومن هذا العرض عرفنا أن العلّة التي منها يبدأ الزّيغ هي الكفر بالآخرة، فهي التي يترتّب عليها كل شر، ومن الآيات عرفنا أنّ من يضل فلاستحقاقه الضلال بكفره وذنبه، وإذا استقرت هذه المعاني فإنّ الله يأمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يردّ على كل ما مرّ من كلام الكافرين واتجاهاتهم بالإعلان:

- أنه لا يقبل غير الله حكما، وقد حكم الله له، وعليهم بكتابه البيّن المفصّل الكامل الحجّة، هذا الكتاب الذي يعلم المنصفون من أهل الكتاب أنّه منزّل من الله

<<  <  ج: ص:  >  >>