الذي يصدع بالحق، وتستصحب معها في هذه المواجهة تلك المؤثرات العميقة العنيفة الكثيرة الموفورة التي تحدثنا عنها إجمالا وتفصيلا ونحن نقدم السورة ونستعرضها ووقفنا أمامها ما شاء الله أن نقف .. بينما سورة الأنعام تتخذ هذا المنهج، وتسلك في الطريق ..
نجد سورة الأعراف- وهي تعالج موضوع العقيدة كذلك- تأخذ طريقا آخر، وتعرض موضوعها في مجال آخر. إنها تعرضه في مجال التاريخ البشري .. في مجال رحلة البشرية كلها من الجنة والملأ الأعلى، وعائدة إلى النقطة التي انطلقت منها .. وفي هذا المدى المتطاول تعرض «موكب الإيمان» من لدن آدم «عليه السلام» إلى محمد عليه الصلاة والسلام- تعرض هذا الموكب الكريم يحمل هذه العقيدة ويمضي بها على مدار التاريخ. يواجه بها البشرية جيلا بعد جيل، وقبيلا بعد قبيل .. ويرسم سياق السورة في تتابعه: كيف استقبلت البشرية هذا الموكب وما معه من الهدى؟ كيف خاطبها هذا الموكب. وكيف جاوبته؟ كيف وقف الملأ منها لهذا الموكب بالمرصاد، وكيف تخطى هذا الموكب أرصادها ومضى في طريقه إلى الله؟ وكيف كانت عاقبة المكذبين وعاقبة المؤمنين في الدنيا وفي الآخرة؟ إنها رحلة طويلة .. ولكن السورة تقطعها مرحلة مرحلة وتقف منها عند معظم المعالم البارزة، في الطريق المرسوم. ملامحه واضحة ومعالمه قائمة، ومبدؤه معلوم، ونهايته مرسومة .. والبشرية تخطو فيه بجموعها الحاشدة. ثم تقطعه راجعة .. إلى حيث بدأت رحلتها في الملأ الأعلى ..
لقد انطلقت هذه البشرية من نقطة البدء، ممثلة في شخصين اثنين .. آدم وزوجه ..
أبوي البشر .. وانطلق معهما الشيطان. [ممهلا] من الله في غوايتهما وغواية ذراريهما، ومأخوذ عليهما عهد الله وعلى ذراريهما كذلك ومبتلى كلاهما وذراريهما معهما بقدر من الاختيار، ليأخذوا عهد الله بقوة، أو ليركنوا إلى الشيطان عدوهم وعدو أبويهم الذي أخرجهما من الجنة؛ وليسمعوا الآيات التي يحملها إليهم ذلك الرهط الكريم من الرسل على مدار التاريخ، أو يسمعوا غواية الشيطان الذي لا يني يجلب عليهم بخيله ورجله، ويأتيهم عن أيمانهم وعن شمائلهم!.
انطلقت البشرية من هناك .. من عند ربها سبحانه .. انطلقت إلى الأرض تعمل وتسعى، وتكد وتشقى، وتصلح وتفسد، وتعمر وتخرب، وتتنافس وتتقاتل، وتكدح الكدح الذي لا ينجو منه شقي ولا سعيد .. ثم ها هي ذي تؤوب! ها هي ذي راجعة إلى ربها الذي أطلقها في هذا المجال .. ها هي ذي تحمل ما كسبت طوال