تعالى:«إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم» الحديث ووجه الجمع على هذا: أنه تعالى خلقهم ليكون منهم مؤمن وكافر في ثاني الحال، وإن كان قد فطر الخلق كلهم على معرفته وتوحيده، والعلم بأنه لا إله غيره، كما أخذ عليهم الميثاق بذلك وجعله في غرائزهم وفطرهم، ومع هذا قدر أن منهم شقيا ومنهم سعيدا وهو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن وفي الحديث:«كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها». وفدر الله نافذ في بريته، فإنه هو الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى وفي الصحيحين، «فأما من كان منكم من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة». ولهذا قال تعالى: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ ثم علل ذلك فقال: إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية قال ابن جرير: وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها، أو ضلالة له اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيرتكبها عنادا منه لربه، لأنه لو كان كذلك لم تكن بين فريق الضلالة الذى ضل وهو يحسب أنه مهتد أو فريق الهدى فرق، وقد فرق الله تعالى بين أسمائها وأحكامها في هذه الآية) أقول إننا نرجح الاتجاه الأول في التفسير لأنه الأقرب إلى الفهم الفطري البادي وتدل عليه النصوص.
٥ - وفي سبب نزول قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ روى مسلم والنسائي وابن جرير واللفظ له عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، الرجال والنساء، الرجال بالنهار والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
فقال الله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وقال العوفي عن ابن عباس في قوله خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الآية، قال: كان الرجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة. هذا فعل الجاهلية القديمة، ربطوا بين العري والعبادة، وفعل الجاهلية الحديثة عري وكفر، وبعد عن كل عبادة. فالحمد الذي جعلنا مسلمين متجملين بالستر، ومن آداب المسلم في صلاته ما ورد في معناها من السنة: يستحب عند الصلاة- ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد- الطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك. ومن أفضل اللباس البياض، كما روى الإمام أحمد في حديث جيد الإسناد ... عن ابن عباس مرفوعا قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير