وَقالَ مُوسى: يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ كذلك حين تقع المباراة بينه وبين سحرة فرعون فيغلبون ويؤمنون فإنهم يؤمنون برب العالمين. وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ وحين يهددهم فرعون
بالعذاب الرهيب فإنهم يتوجهون إلى ربهم ويعلنون أنهم عائدون إليه في حياتهم ومماتهم وبعثهم وفي أمرهم كله: قالُوا: إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا. رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ.
ثم إن موسى عليه السلام وهو يعلم قومه في مواضع كثيرة يعرفهم بربهم الحق فعند ما أعلن فرعون أنه سيعيد اضطهاد بني إسرائيل بقتل ذكورهم واستحياء إناثهم قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قالُوا: أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. وعند ما جاوز بهم البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم وطلبوا إلى موسى أن يجعل لهم إلها كما لهؤلاء القوم آلهة قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ.
فهذه النصوص القرآنية في القصة تثبت حقيقة الدين الذي جاء به موسى عليه السلام، وحقيقة التصور الاعتقادي الذي تنشئه هذه الحقيقة وهو التصور الصحيح الذي جاء به الإسلام وتضمنه دين الله في جميع الرسالات، كما أنها تثبت زيف النظريات والتكهنات التي يدلي بها الباحثون في تاريخ الأديان من الغربيين ومن يأخذ بمنهجهم وتقريراتهم ممن يكتبون عن تطور العقيدة.
كذلك تثبت هذه النصوص ألوان الانحراف التي صاحبت تاريخ بني إسرائيل وجبلتهم الملتوية- حتى بعد بعثة موسى عليه السلام ذلك من مثل قولهم يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ومثل اتخاذهم العجل في غيبة موسى على الجبل لميقاته مع ربه، ومثل طلبهم رؤية الله جهرة، وإلا فإنهم لا يؤمنون ولكن هذه الانحرافات لا تمثل حقيقة العقيدة التي جاء بها موسى من ربه، إنما هي انحرافات عن هذه العقيدة فكيف تحسب الانحرافات إذن على العقيدة ذاتها؟ ويقال إنها «تطورت» إلى التوحيد؟!.
كذلك تكشف مواجهة موسى لفرعون وملئه عن حقيقة المعركة بين دين الله كله