ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك» وقد رواه ابن أبي حاتم أيضا. كما روي له شواهد من وجوه أخر، وقد رواه ابن مردويه مرفوعا عن جابر وقيس بن سعد ابن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الإمام أحمد ... عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:
لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته، فأخذت بيده. فقلت: يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال. فقال:«يا عقبة صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك» وروى الترمذي نحوه وقال حسن صحيح. وروى البخاري ... أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس- وكان من النفر الذين يدنيهم عمر- وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر. فلما دخل عليه، قال هي يا ابن الخطاب فو الله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله عزّ وجل.
وقال بعض العلماء: الناس رجلان، فرجل محسن فخذ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه، وإما سيئ فمره بالمعروف فإن تمادى على ضلاله
واستعصى عليك واستمر في جهله فأعرض عنه فلعل ذلك أن يرد كيده.
يلاحظ ابن كثير أنه ما من مرة ورد الأمر بالاستعاذة من شيطان الجن إلا وكان في سياقها الإرشاد، إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف أي بالتي هي أحسن، فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى. ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجن فإنه لا يكفه عنك الإحسان وإنما يريد هلاكك ودمارك بالكلية؛ فإنه عدو لك ولأبيك من قبلك. ويذكر ابن كثير بهذه المناسبة ما ذكره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما نزلت خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ قال يا رب كيف بالغضب فأنزل الله وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ثم ذكر حديث الرجلين اللذين تسابا بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما حتى جعل أنفه يتمزع غضبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فقيل له فقال: ما بي من جنون.