للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها؟». قال ابن اسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر، أن رجلا من أسلم قال: أنا يا رسول الله. قال: فسلك بهم طريقا وعرا أجرل (١) بين شعاب. فلما خرجوا منه- وقد شق ذلك على المسلمين- وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- للناس: «قولوا نستغفر الله ونتوب إليه». فقالوا ذلك. فقال: «والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل، فلم يقولوها» (٢). قال ابن شهاب الزهري: فأمر رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- الناس فقال: «اسلكوا ذات اليمين» بين ظهري الحمض (٣) في طريق على ثنية المرار، مهبط الحديبية (٤) من أسفل مكة؛ قال: فسلك الجيش ذلك الطريق. فلما رأت خيل قريش قترة (٥) الجيش، قد خالفوا عن طريقهم، رجعوا راكضين إلى قريش. وخرج رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- حتى إذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته. فقال الناس: خلأت الناقة (٦). فقال: «ما خلأت. وما هو لها بخلق.

ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة. لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها» - (وفي رواية البخاري: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إياها). ثم قال للناس: «انزلوا» قيل له: يا رسول الله، ما بالوادي ماء ينزل عليه. فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه. فنزل في قليب (٧) من تلك القلب، فغرزه في جوفه، فجاش بالرواء ..

فلما اطمأن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- أتاه بديل بن ورقاء الخزاعي، في رجال من خزاعة، فكلّموه، وسألوه ما الذي جاء به؟ فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا، وإنما جاء زائرا للبيت، ومعظما لحرمته. ثم قال لهم نحوا مما قال لبشر بن سفيان؛ فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمدا. إن محمدا لم يأت لقتال، وإنما جاء زائرا لهذا البيت فاتهموهم وجبهوهم، وقالوا: وإن كان جاء ولا يريد قتالا. فو الله


(١) أجرل: كثير الحجارة.
(٢) يشير- صلّى الله عليه وسلم- إلى ما جاء في القرآن الكريم: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ* فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ....
(٣) الحمض: ما ملح من النبات وهو هنا اسم موضع.
(٤) قرية بينها وبين مكة مرحلة واحدة.
(٥) قترة الجيش: غباره.
(٦) خلأت: كما تقول للدابة حرنت. ولا يقال خلأت إلا للناقة.
(٧) القليب: منخفض يحفظ بعض ماء المطر حين ينزل ..

<<  <  ج: ص:  >  >>