للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يدخلها علينا عنوة أبدا ولا تحدّث بذلك عنا العرب. وكانت خزاعة عيبة نصح (١) رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- مسلمها ومشركها، لا يخفون عنه شيئا كان بمكة. ثم بعثوا إليه مكرز ابن حفص بن الأخيف أخا بني عامر بن لؤي. فلما رآه رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- مقبلا قال: «هذا رجل غادر». فلما انتهى إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- وكلمه، قال له رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- نحوا مما قال لبديل وأصحابه؛ فرجع إلى قريش، فأخبرهم بما قال له رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زبان. وكان يومئذ سيد الأحابيش (٢)، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة. فلما رآه رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- قال: «إن هذا من قوم يتألهون- يعني يتعبدون- فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه». فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، رجع إلى قريش، ولم يصل إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- إعظاما لما رأى. فقال لهم ذلك. فقالوا له: اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك! قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن الحليس غضب عند ذلك. وقال: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم. أيصدّ عن بيت الله من جاء معظما له؟ والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد. قال: فقالوا له: مه. كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به. قال الزهري: ثم بعثوا إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- عروة بن مسعود الثقفي فقال: يا معشر قريش، إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ. وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد (وكان نسبه لأمه في بني عبد شمس) وقد سمعت بالذي نابكم، فجمعت من أطاعني من قومي، ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتّهم .. فخرج حتى جاء رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- فجلس بين يديه. ثم قال: يا محمد. أجمعت أوشاب الناس، ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم (٣)؟ إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا. وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا. قال: وأبو بكر خلف رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- قاعد. فزجره (٤) وقال: أنحن


(١) أي وعاء نصح. والمقصود أنهم ناصحون مخلصون. وقد دخلوا في عهد رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- كما سيجئ.
(٢) الأحابيش جمع حبشي بضم الحاء وسكون الباء نسبة إلى مكان في البادية.
(٣) بيضة الرجل: أهله وقبيلته. وتفضها أي: تكسرها. وهي كناية عن تحطيمها.
(٤) في الرواية جملة نستبعد صدورها على لسان أبي بكر رضي الله عنه في أدبه وعفة لسانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>