(١) قوله: (ذو الوجهين) فإنَّ قلت: ما المراد بالوجهين؛ إذ لا يصح حمله على الوجه المشهور؟ قلت: هو مجاز عن الجهتين مثل المدحة والمذمة {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}[البقرة: ١٤] أي: شر الناس المنافقون. فإن قلت: هذا عام لكل نفاق، سواء كان كفرًا أم لا، فكيف يكون شرًا في القسم الثاني؟ قلت: هو للتغليظ أو للمستحل، أو المراد شر الناس عند الناس؛ لأن من اشتهر بذلك لا يحبه أحد من الطائفتين. قال المهلب: قيل: هو معارض لحديث ابن عمر الذي فيه: "بئس ابن العشيرة، ثم تلقاه بوجه طلق". وليس كذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل خلاف ما قاله أولًا إذ لم يقل بحضوره: نعم ابن العشيرة بل تفضل عليه بحسن اللقاء استئلافًا وكف بذلك أذاه عن المسلمين. ومنه أجاز العلماء التجريح والإعلام بما يعلم من سوء حال الرجل إذا خشي منه فسادًا، "ك" (٢٤/ ٢٢١ - ٢٢٢).
(٢) قوله: (باب القضاء على الغائب) أي: في حقوق الآدميين دون حقوق الله بالاتفاق، حتى لو قامت البينة على غائب بسرقة مثلًا حكم بالمال دون القطع. ولا مطابقة بين الترجمة وبين حديث الباب؛ لأنه لا حكم فيه على الغائب؛ لأن أبا سفيان كان حاضرًا في البلد، وأيضًا فإن الحديث استفتاء وجواب وليس بحكم؛ لأن الحكم له شروط. واحتجاج الشافعي ومن تبعه بهذا الحديث على جواز القضاء على الغائب غير موجه كما لا يخفى، "ع" (١٦/ ٤٣١ - ٤٣٢).
قال ابن الهمام (٧/ ٣٠٨): ولا يقضي القاضي على غائب إلا أن يحضر من يقوم مقامه، وقال الشافعي: يجوز إذا كان غائبًا عن البلد أو فيها