(١) قوله: (باب الاقتداء بأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -) الأصل فيه قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]. وقد ذهب قوم إلى وجوبه لدخوله في عموم الأمر بقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}[الحشر: ٧]، وبقوله تعالى:{فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران: ٣١]، فيجب اتباعه في فعله كما يجب في قوله حتى يقوم دليل على الندب أو على الخصوصية، وقال آخرون: يحتمل الوجوب والندب والإباحة، فيحتاج إلى القرينة. والجمهور للندب إذا ظهر وجه القربة، وقيل: ولو لم يظهر، ومنهم من فصل بين التكرار وعدمه. وقال آخرون: ما يفعله [- صلى الله عليه وسلم -]، إن كان بيانًا لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل وجوبًا أو ندبًا أو إباحة، وإلا فإن ظهر وجه القربة فللندب، وما لم يظهر فيه وجه التقرب فللإباحة، وأما تقريره على ما يفعل بحضرته فيدل على الجواز، وإذا تعارض قوله وفعله - صلى الله عليه وسلم - فاختلف فيه على ثلاثة أقوال، أحدها: يقدم القول لأن له صيغة تتضمن المعاني بخلاف الفعل، وثانيها: الفعل لأنه لا يطرقه من الاحتمال ما يطرق القول، وثالثها: يفزغ إلى الترجيح. وكل ذلك محله ما لم تقم قرينة تدل على الخصوصية. وذهب الجمهور إلى الأول، والحجة له: أن القول يعبر به عن المحسوس والمعقول بخلاف الفعل فيختص بالمحسوس، فكان القول أتم، وبأن القول متفق على أنه دليل بخلاف الفعل؛ ولأن القول يدل بنفسه بخلاف الفعل فيحتاج إلى واسطة، وبأن تقديم الفعل يفضي إلى ترك العمل بالقول، والعمل بالقول يمكن معه العمل بما دل عليه الفعل، فكأن القول أرجح بهذه الاعتبارات، "ف"(١٣/ ٢٧٤ - ٢٧٥) مختصرًا.