للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

===

اعلم أن البخاري لم يُصَدِّرْ كتابه بالحمد للَّه مع ورود: "كل أمر ذي بال (١) " الحديث، فاعتذر العلماء عنه فيه بأعذارٍ:

الأول: أن الحديث ليس على شرطه.

الثاني: أن الافتتاح بالتحميد محمول على ابتداءات الخطب دون غيرها زجرًا عما كانت الجاهلية عليه من تقديم الشعر المنظوم والكلام المنثور، لما رُوي أن أعرابيًا خطب فترك التحميد، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كل أمر" الحديث.

الثالث: أن حديث الافتتاح بالتحميد منسوخ بأنه - عليه السلام - لما صالح قريشًا عام الحديبية كتب: "بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله"، فلولا نُسِخ لما تركه.

الرابع: أن أوّل ما نزل من القرآن {اقْرَأْ} {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، وليس في ابتدائهما حمد الله.

الخامس: أن الذي اقتضاه الخبر أن يحمد، لا أن يكتبه، والظاهر أنه حمده بلسانه، والأحسن ما سمعته من بعض أساتذتي الكبار أنه ذكر الحمد بعد التسمية في مسوّدته، كما ذكره في بقية مصنفاته، وإنما سقط ذلك من قلم بعض المبيِّضين فاستمرّ على ذلك (٢)، واللَّه تعالى أعلم.

ولمَّا كان كتابه معقودًا (٣) على أخبار النبي - عليه السلام - صَدَّره بـ"باب بدء الوحي"؛ لأنه يذكر فيه أول شأن الرسالة والوحي، والمراد من حال ابتداء الوحي حاله مع كل ما يتعلق بشأنه أيَّ تعلق كان، كما في التعلق الذي للحديث الهرقلي، وهو أن هذه القصة وقعت في أحوال البعثة ومبادئها،


(١) قد أطال الكلام على هذا الحديث السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (١/ ٦)، وقال العيني (١/ ١٥): قال ابن الصلاح: هذا حديث حسنٌ بل صحيح.
(٢) ردّه الحافظ في "فتح الباري" (١/ ٩) واستبعده.
(٣) هكذا في الأصل. وفي "عمدة القاري" (١/ ٣٥): مقصورًا، وهو الظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>