(١) قوله: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ … } الآية)، قال ابن بطال (١٠/ ٥٢٨): مراده بهذا الباب إثبات العلم لله تعالى صفة ذاتية لاستواء علمه بالجهر من القول والسر، وقد بينه بقوله في آية أخرى:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِه}[الرعد: ١٠]، وأن اكتساب العبد من القول والفعل لله تعالى لقوله:{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الملك: ١٣]، ثم قال عقيب ذلك:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}[الملك: ١٤]، فدل على أنه عالم بما أسروه وما جهروا به وأق خالق لذلك فيهم. فإن قيل: قوله: {مَنْ خَلَقَ} راجع إلى القائلين؟ قيل له: إن هذا الكلام خرج مخرج التمدح منه بعلمه بما أسر العبد وجهر وأنه خلقه؛ فإنه جعل دليلًا على كونه عالمًا بقولهم، فتعين رجوع قوله:"خلق" إلى قولهم؛ ليتم تمدحه بالأمرين، وليكون أحدهما دليلًا على الآخر، ولم يفرق أحد بين القول والفعل. وقد دلت الآية على أن الأقوال خلق الله تعالى فوجب أن يكون الأفعال خلقًا له سبحانه وتعالى.
وقال ابن المنير: ظن الشارح أنه قصد بالترجمة إثبات العلم! وليس كما ظن، وإلا لتقاطعت المقاصد مما اشتملت عليه الترجمة؛ لأنه لا مناسبة بين العلم وبين حديث:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، وإنما قصد البخاري الإشارة إلى النكتة التي كانت سبب محنته بمسألة اللفظ، فأشار بالترجمة إلى أن تلاوة الخلق تتصف بالسر والجهر، ويستلزم أن تكون مخلوقة، وسياق الكلام يأبى ذلك، فقد قال البخاري في "كتاب خلق أفعال العباد" بعد أن ذكر أحاديث دالة على ذلك: فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أصوات الخلق وقراءتهم ودراستهم وتعليمهم وألسنتهم مختلفة، بعضها أحسن وأزين وأحلى وأصوت وأرتل وألحن وأعلى وأخفض وأغض وأخشع وأجهر وأخفى وأقصر وأمد وألين من بعض، "ف"(١٣/ ٥٠١).