الْحمدُ لله الذي فضّل العُلماءَ بِوِراثة الأنبياء، وجعلَهم كنجُوم الهُدَى يُهتدَى بهم في اللَّيالي الظَّلْماء، ومنْ أراد اللهُ به خيرًا جَعَلَه من السَّادة الفُقهاء.
والصَّلاةُ والسَّلامُ الأتمَّانِ الأكْمَلان على سيِّدنا محمَّدٍ خاتمِ الأنبياء، وسيِّد الأتقياء، ومُخْرِجِ النَّاسِ من الظُّلُمات إلى النُّور والضِّياء، وعلى آلِه وأصحابه السَّادة النُّجَباء، الوارِثِينَ عُلومَه وأنفاسَه، وعلى سائر الفُقهاء والمُحدِّثين والعُلماء من الأوَّلين والآخرين.
أمَّا بعد:
فكتاب "الْجَامِعِ الصَّحِيحِ الْمُشنَدِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أُمُورِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسُنَنِه وأيَّامِه" لأمير المؤمنين في الحديث وطبيبِه في عِلَل الحديث الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري - رحمه الله تعالى -، قد اتَّفق علماء هذه الأُمَّة على أنه أصحّ الكتب بعد كتاب الله العزيز.
ولم تَعْتَنِ الأُمَّةُ الإسلاميةُ بعد الاعتناء بكتاب الله العزيز الحكيم مثل الاعتناء بـ "صحيح البخاري"، وبلغت غاية الجهد في إبراز علومه واستخراج معارفه وأسراره. وقد نال هذا الكتاب منزلة في العالم من القبول ما لا يُشَقُّ غباره ولا يساجل عياره؛ فقد تهافتَ العلماء على دراسة الكتاب وروايته ونقله، وتوارثت الأجيال في تلقِّيه جِيلًا بعد جيلٍ، وكابرًا عن كابرٍ، وتلميذًا