(١) قوله: (باب قول اللّه تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ … }) إلخ، المقصود من الباب ذكر الظواهر التي تشعر بأن العبد يرى ربه يوم القيامة، واستدل البخاري بهذه الآية والأحاديث عليها، وهو مذهب أهل السُّنَّة وجمهور الأمة ومنعت من ذلك الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة، ولهم في ذلك دلائل فاسدة.
قال البيهقيّ: وجه الدليل من الآية أن لفظ: {نَاظِرَةٌ} بالضاد المعجمة من النضر بمعنى السرور. ولفظ {نَاظِرَةٌ} بالظاء المعجمة يحتمل أربعة أوجه: نظر التفكر والاعتبار: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}، ونظر الانتظار:{مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً}، ونظر التعطف والرحمة:{وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ}[آل عمران: ٧٧]، ونظر الرؤية:{يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}[محمد: ٢٠]. والثلاثة الأول غير مرادة، أما الأول فلأن الآخرة ليست بدار استدلال، وأما الثاني فلأن في الانتظار تنغيصًا وتكديرًا، والآية خرجت مخرج الامتنان والبشارة، وأهل الجنة لا ينتظرون شيئًا، لأنه مهما خطر لهم أتوا به، وأما الثالث فلا يجوز؛ لأن المخلوق لا يتعطف على خالقه، فلم يبق إِلَّا نظر الرؤية، وانضم إلى ذلك أن النظر إذا ذكر مع الوجه انصرف إلى نظر العينين اللتين في الوجه، ولأنه هو الذي يتعدى بإلى، كقوله تعالى:{يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} والأصل عدم التقدير، فاندفع قول [من زعم] أن المعنى ناظرة إلى ثواب ربها، وأيد في حق المؤمنين؛ بمفهوم قوله تعالى فِي الكَافِرِينَ:{إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين: ١٥]، وقيدها بالقيامة في الآيتين إشارة إلى أن الرؤية في الآخرة دون الدنيا.
فإن قلت: لا بد للرؤية من المواجهة والمقابلة وخروج الشعاع من الحدقة إليه أو انطباع صورة المرئي في حدقة الرائي ونحوهما هو محال على اللّه؟ قلت: هذه شروط عادية لا عقلية، يمكن حصولها بدون هذه