ارتكاب المعصية لا يبيحها. قوله: "فأتوا منه ما استطعتم" قال النووي ["المنهاج" (٩/ ١٠١)]: هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام، ويدخل فيه كثير من المسائل كالصلاة لمن عجز عن ركن منها، أو شرط فيأتي بالمقدور، وكذا الوضوء، وستر العورة، وحفظ بعض الفاتحة، وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل، والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار، إلى غير ذلك. وقال غيره: إن من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور، وعَبَّرَ عنه بعض الفقهاء بأن "الميسور لا يسقط بالمعسور"، واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات؛ لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بقدر الطاقة، وهذا منقول عن الإمام أحمد. والذي يظهر: أن التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدل على المدعى من الاعتناء، بل من جهة الكف؛ إذ كل أحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلًا فلا يتصور عدم الاستطاعة عن الكف، بل كل مكلف قادر على الترك، بخلاف الفعل فإن العجز عن تعاطيه محسوس، فمن ثم قيد في الأمر بالاستطاعة دون النهي. واستدل به على النهي عن كثرة المسائل والتعمق في ذلك. قال البغوي في "شرح السُّنَّة": المسائل على وجهين، أحدهما: ما كان على وجه التعلم لما يحتاج إليه من أمر الدين فهو جائز بل مأمور به لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}[النحل: ٤٣]، وعلى ذلك يتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما. وثانيهما: ما كان على وجه التعنت والتكلف وهو المراد في هذا الحديث، والله أعلم، "ف" (١٣/ ٢٦١ - ٢٦٣) مختصرًا.