(٣) قوله: (عزائم السجود) جمع عزيمة، وهي التي أُكِّدَتْ على فعله مثل صيغة الأمر مثلًا، قاله ابن حجر (٢/ ٥٥٢)، قال العيني (٥/ ٣٤٦ - ٣٤٧): لا خلاف بين الحنفية والشافعية في أن "ص" فيها سجدة تفعل، وإنما الخلاف في أنها من العزائم أم لا؟ فعند الشافعي ليست من العزائم، وإنما هي سجدة شكر تستحب في غير الصلاة وتحرم فيها، وبه قطع جمهور الشافعية، وعند أبي حنيفة وأصحابه هي من العزائم، وهو قول مالك أيضًا، وعن أحمد كالمذهبين، والمشهور منهما كقول الشافعي، واحتجّ الشافعي ومن معه بحديث ابن عباس هذا، وله حديث آخر أخرجه النَّسائي: أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد في ص فقال:"سجدها داود عليه السلام توبة ونسجدها شكرًا"، وله حديث أخرجه البخاري على ما يأتي، ولفظه: "رأيت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد في ص {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام: ٩٠].
قلنا: هذا كله حجة لنا، والعمل بفعل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولى من العمل بقولِ ابن عباس، وكونها توبة لا ينافي كونها عزيمة، وسجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرًا لما أنعم الله على داود عليه السلام بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب، ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله:{وَأَنَابَ}[ص: ٢٤] بل عقيب قوله: {وَحُسْنُ مَآبٍ}[ص: ٢٥]، وروى أبو داود من حديث