"اكتمي علىَّ وقد حرَّمت مارية على نفسي"، ففشَتْ حفصة إلى عائشة، فغضبت عائشة حتى حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يقربهنّ شهرًا، وهو معنى قوله:"ما أنا بداخِلٍ عليهن شهرًا"، وعند ابن مردويه عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمارية في بيت حفصة، فجاءت فوجدتها معه فقالت: يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك؟ فحلف لها لا يقربها، وقال:"هي حرام"، فيحتمل أن تكون الآية نزلت في الشيئين معًا.
قوله:(من شدة موجدتة) أي: من شدة غضبه، قوله:"حين عاتبه الله" ويروى: "حتىِ عاتبه الله"، وهذه هِي الأظهر، وعاتبه الله تعالى بقوله:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}[التحريم: ١]، قوله:"لتسع وعشرين" باللام، هذا في رواية الكشميهني، ولغيره "بتسعِ" بالموحدة، قوله:"فَأُنْزِلت آية التخيير" وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} الآية.
قوله:(فبدأ بي) لأنها كانت أحبَّهن إليه فخيَّرها، وقرأ عليها القرآن، فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الفرح في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتتابعتها بقية النسوة واخترن اختيارها، وقال قتادة: فلما أخترنَ الله ورسوله شَكَرَ لهن الله على ذلك، وقصره عليهنّ، فقال:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}[الأحزاب: ٥٢].
ثم اعلم أنهم اختلفوا فيمن خيَّرَ امرأته، قال النووي: مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء: أن من خَيَّر زوجته فاختارت زوجها لم يكن ذلك طلاقًا ولا يقع به فرقة، وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث: أن نفس التخيير يقع به طلقة بائنة، سواء اختارت زوجها أم لا، ملتقط من "العيني" (٩/ ٢٢٧ - ٢٣٠" و"قس" (٥/ ٥٣٨ - ٥٤٠".