فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ:"إِنِّي خُيِّرْتُ (١) فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ فَغُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا". قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
"فَغُفِرَ" كذا في هـ، ذ، وفي نـ:"يُغْفَرُ".
===
(١) قوله: (إني خُيِّرتُ) أي: بين الاستغفار وعدمه، "فاخترتُ" الاستغفار. وقد استشكل فهم التخيير من الآية على كثير حتى أنكر القاضي أبو بكر الباقلاني صحة الحديث وقال: لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن الرسول قاله. وقال إمام الحرمين: هذا الحديث غير مخرَّج في "الصحيح". وقال في "البرهان": لا يصحِّحُه أهل الحديث. وقال الغزالي في "المستصفى": الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح. وقال الداودي: هذا الحديث غير محفوظ. وهذا عجيب من هؤلاء الأئمة كيف باحوا بذلك وطعنوا فيه مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين على تصحيحه بل وسائر الذين خرّجوا في "الصحيح"، "قس"(١٠/ ٣٠٧). وسبب ذلك أن الذي يفهم من الآية إنما هو التسوية بين الاستغفار وتركه كما فهمه عمر - رضي الله عنه - لما يقتضيه سياقُ القضية من قوله:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا} إلى آخره، وحملُ السبعين على المبالغة، "تو"(٧/ ٢٨٧٢)، ومن ثم سأل الزمخشري فقال: فإن قلت: كيف خفي هذا على رسول - صلى الله عليه وسلم -؟ يعني أن السبعة والسبعين والسبعمائة مثل في التكثير، أي: لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد - كما بينت وجهه في (ص: ٥٠٦) من كتاب الترمذي المطبوع في المطبع الأحمدي - فكأنه العدد بأسره، وهو - صلى الله عليه وسلم - أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته وقد تلاه بقوله:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} الآية، فبين الصارفَ عن المغفرة لهم حتى قال:"خيّرني وسأزيده على السبعين"، وأجاب بأنه لم يخف عليه ذلك، ولكنه خَيَّل بما قال إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بُعِثَ إليه كقول إبراهيم:{وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[إبراهيم: ٣٦]، وفي إظهار النبي الرحمةَ والرأفةَ لطف لأمته ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على