الشيخين، وفي حديث صفية بنت عبيد عند النسائي قالت:"كان زوج بريرة عبدًا"، وسنده صحيح، فرواية عائشة تقتضي ترجيح أنه كان حرًّا، وذلك أن رواة هذا الحديث عن عائشة ثلاثة: الأسود، وعروة، وعبد الرحمن بن القاسم، فأما الأسود فلم يختلف فيه عن عائشة أنه كان حرًّا، وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان: إحداهما أنه كان حرًّا، والأخرى أنه كان عبدًا، وأما عبد الرحمن بن القاسم فعنه روايتان صحيحتان: إحداهما أنه كان حرًّا، والأخرى الشك، فلم يبق ما يعارضه إلا حديث ابن عباس وحديث صفية، فالجمع بأن يقال: إنه كان في أصله عبدًا ثم صار حرًّا، وأما ما روي عن ابن عباس: أنه كان عبدًا حين أعتقتْ، فمحمول على عدم اطلاع ابن عباس على الحرية، وإنما قلنا بذلك لأن عائشة صاحبة القصة ثبت عنها قوله:"أنه كان حرًّا حين أُعتقتْ"، وهي أعرف بلسان بريرة من ابن عباس.
أما قولها:"ولو كان حرًّا لم يخيرها"، فهو متعقَّب بأن هذه في رواية جرير عن هشام في آخر الحديث، وهي مدرجة من قول عروة، بيَّن ذلك في رواية مالك وأبي داود والنسائي.
وأما دعوى أن ذلك لا يقال إلا بتوقيف فمردودة، فإن للاجتهاد فيه مجالًا، ومن جملة ذلك ما ذكرته الشافعية: إنما جعل لها الخيار تحت العبد لفضل الحرية على الرقّ، وهذا كلام لا تأييد له من الشارع -صلى اللَّه عليه وسلم- أصلًا، وعلى كل حال فلم يصح ذلك عن عائشة أصلًا، وإنما هو قول عروة، كيف وقد صح عنها ما أخرجه الترمذي (ح: ١١٥٥): حدثنا هناد، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:"كان زوج بريرة حرا، فخيرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. هذا كله ملتقط من "شرح المسند" للشيخ السندي و"فتح القدير" (٣/ ٤٠٢) لابن الهمام.