سبحانه، والثاني التجاء إلى الغير، وكانت عائشة فعلته به من غير أن يسترقيها رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، كذا في "الخير الجاري". قال في "المجمع" (٢/ ٣٦٩): قد تكرر ذكر الرقي، وفي آخر: "لا يسترقون" بسكون راء وضم قاف، والأحاديث في القسمين كثيرة، والجمع بينهما أن ما كان بغير اللسان العربي وبغير كلام اللّه تعالى وأسمائه وصفاته في كتبه المنزلة، أو أن يعتقد أن الرقية نافعة قطعًا فيتكل عليها فمكروه، وهو المراد بقوله: "ما توكل من استرقى"، وما كان بخلاف ذلك فلا يكره.
قوله: "ولا يكتوون" قال الكرماني (٢٠/ ٢١٩): فإن قلت: كوى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ وغيره، وهو أول من يدخل الجنة؛ قلت: غرضه أنهم لا يعتقدون أن الشفاء من الكي على ما كان اعتقاد الكفار. والتوكل هو تفويض الأمر إلى اللّه في ترتيب المسببات على الأسباب، وقيل: هو ترك السعي فيما لا تسعه قدرة البشر، فالشخص يأتي بالسبب ولا يدري أن المسبب منه، بل يعتقد أن ترتب المسبب عليه بخلق اللّه وإيجاده، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "اعقلها وتوكل"، ولبس يوم أُحد درعين مع كونه من التوكل بمحل لم يبلغه أحد من خلق اللّه تعالى. قال في "المجمع" (٢/ ٣٦٩): وأما حديث: "لا يسترقون ولا يكتوون"، فهو صفة الأولياء المعرضين عن الأسباب لا يلتفتون إلى شيء من العلائق، وتلك درجة الخواص، والعوام رخص لهم التداوي والمعالجات، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من اللّه بالدعاء كان من جملة الخواص، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء، ألا ترى أنه قبل من الصديق جميع مالِه وأنكر على آخر في مثل بيضة الحمام ذهبًا. أما فعله - صلى الله عليه وسلم - فهو لبيان الجواز.
(١) أراد به الاستيعاب أي: معرضون عن الأسباب رأسًا، وهذه مرتبة الخواص والأولياء، "مجمع" (٢/ ٣٧٠)، "ط" (١٠/ ٣٣٣٣، رقم: ٥٢٩٦).