(٢٢/ ٢١٢ - ٢١٣): غرض البخاري من ذكر الآية أن المال مطلقًا ليس خيرًا، وأما كلام سفيان بن عيينة فهو تفسير لقوله تعالى:{وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ}، انتهى.
وقال في "الفتح"(١١/ ٢٧١ - ٢٧٢): والمعنى: أتظنون أن المال الذي نرزقهم إياه لكرامتهم علينا؟ إن ظنوا ذلك أخطئوا، بل هو استدراج، كما قال تعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}. والإشارة في قوله:{بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا}[المؤمنون: ٦٣] أي: من الاستدراج المذكور. وأما قوله:{وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} فالمراد به ما يستقبلون من الأعمال من كفر أو إيمان، وإلى ذلك أشار ابن عيينة في تفسيره بقوله: لم يعملوها، لا بد أن يعملوها، وقد سبقه إلى مثل ذلك أيضًاا لسدي وجماعة فقالوا: المعنى كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل ليحق عليهم كلمة العذاب.
ثم مناسبة الآية للحديث أن خيرية المال ليست لذاته بل بحسب ما يتعلق به وإن كان يسمى خيرًا في الجملة، وكذلك صاحب المال الكثير ليس غنيًّا لذاته بل بحسب تصرفه فيه؛ فإن كان في نفسه غنيًا لم يتوقف في صرفه في الواجبات والمستحبات من وجوه البر والقربات، وإن كان في نفسه فقيرًا أمسكه وامتنع من بذله فيما أمر به خشية من نفاده، فهو في الحقيقة فقير صورة ومعنى، وإن كان المال تحت يده؛ لكونه لا ينتفع به لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل ربما كان وبالًا عليه، انتهى.