قلت: قوله: كل ما ذكر إلخ غير مسلّم؛ لأن أشياء كثيرة تقع في الحديث وليست منه، وأبو حاتم إمام في هذا الفن، ولو لم يثبت عنده الإدراج فيه لما أقدم على الحكم به.
وقال الكرماني: قال التيمي: قال الشافعي: الشفعة إنما هي للشريك، ويثبت أبو حنيفة للجار، وهذا الحديث حجة عليه، قلت: سبحان الله! هذا كلام عجيب؛ لأن أبا حنيفة لم يقل: الشفعة للجار على الخصوص، بل قال: الشفعة للشريك في نفس المبيع، ثم في حق المبيع، ثم من بعدهما للجار، وكيف يقول: هو حجة عليه، وإنما يكون حجة عليه إذا ترك العمل به، وهو عمل به أولًا ثم عمل بحديث الجار، ولم يهمل واحدًا منهما، وهم عملوا بأحدهما، وأهملوا الآخر بتأويلات بعيدة فاسدة، وهو قولهم: أما حديث "الجار أحق بصقبه" فلا دلالة فيه، إذ لم يقل: أحق بشفعته، بل قال: أحق بصقبه؛ لأنه يحتمل أن مراده منه بما يليه، ويقرب منه، أي: أحق بأن يتعهد ويتصدق عليه، أو: يراد بالجار الشريك. قلت: هذه مكابرة وعناد، وكيف يقول: إذ لم يقل أحق بشفعته؟ وقد وقع في بعض ألفاظ أحمد والطبراني وابن أبي شيبة:"جار الدار أحق بشفعة الدار"، وكيف يقبل هذا التأويل الصارف عن المعنى الوارد في الشفعة، ويصرف إلى معنى لا يدل عليه اللفظ، ويرد هذا التأويل ما وراه أحمد (٥/ ١٧) وأبو داود (ح: ٣٥١١) والترمذي (ح: ١٣٦٨) من حديث الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جار الدار أحق بالدار" ذكره الترمذي في "باب ما جاء في الشفعة" وقال: حديث حسن، وقال الكرماني بعد أن قال: يراد بالجار الشريك: يجب الحمل عليه جمعًا بين مقتضى الحديثين، قلت: لم يكتف الكرماني بصرف معنى الجار عن معناه الأصلي حتى يحكم بوجوب ذلك، هذا يدل على أنه لم يطلع على ما ورد في هذا الباب من الأحاديث الدالة بثبوت الشفعة للجار بعد الشريك.