للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ثم وجدت بيان مراده في كتابه الذي أفرده في "خلق أفعال العباد" [ص: ١١٢] فقال: اختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول فقالت القدرية: الأفاعيل كلها من البشر، وقالت الجبرية: الأفاعيل كلها من الله، وقالت الجهمية: الفعل والمفعول واحد ولذلك قالوا: "كن" مخلوق، وقال السلف: التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة، ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات، انتهى.

ومسألة التكوين مشهورة بين المتكلمين، وأصلها: أنهم اختلفوا هل صفة الفعل قديمة أو حادثة؟ فقال جمع من السلف منهم أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -: هي قديمة، وقال آخرون منهم ابن كلاب والأشعري: هي حادثة لئلا يلزم أن يكون المخلوق قديمًا، وأجاب الأول بأنه يوجد في الأزل صفة الخلق ولا مخلوق، وأجاب الأشعري بأنه لا يكون خلق ولا مخلوق كما لا يكون ضارب ولا مضروب، فألزموه بحدوث صفات فيلزم حلول الحوادث بالله، فأجاب: بأن هذه الصفات لا تحدث في الذات شيئًا جديدًا. فتعقبوه: بأنه يلزم أن لا يسمى في الأزل خالقًا ولا رازقًا، وكلام الله قديم، وقد ثبت فيه أنه الخالق الرازق! فانفصل بعض الأشعرية بأن إطلاق ذلك إنما هو بطريق المجاز، وليس المراد بعدم التسمية عدمها بطريق الحقيقة. ولم يرتض هذا بعضهم بل قال - وهو المنقول عن الأشعري نفسه -: إن الأسامي جارية مجرى الأعلام، والعلم ليس بحقيقة ولا مجاز في اللغة، وأما في الشرع فلفظ الخالق الرازق صادق عليه تعالى بالحقيقة الشرعية، والبحث إنما هو فيها لا في الحقيقة اللغوية. فألزموه بتجويز إطلاق اسم الفاعل على من لم يقم به الفعل. فأجاب: بأن الإطلاق هاهنا شرعي لا لغوي. وتصرف البخاري في هذا الموضع يقتضي موافقة القول الأول، والصائر إليه يسلم من الوقوع في مسألة حوادث لا أول لها، وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>