وعند أبي حنيفة وأصحابه: لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى، وبه قال الثوري، والنخعي، وابن أبي ليلى، وعلقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، وعامر الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وخيثمة، والمغيرة، ووكيع، وعاصم بن كليب، وهو رواية ابن القاسم عن مالك، وهو المشهور من مذهبه، والمعمول عند أصحابه، وقال الترمذي: وبه يقول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وهو قول سفيان وأهل الكوفة.
وأجابوا عن حديث الباب ونحوه: بأنه محمول على أنه كان في ابتداء الإسلام، ثم نُسِخَ، والدليل عليه: أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه رأى رجلًا يرفع يديه في الصلاة عند الركوع، وعند رفع رأسه من الركوع، فقال: لا تفعل، فإن هذا شيء فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم تركه، ويؤيّد النسخ ما رواه الطحاوي بإسناد صحيح: حدثنا ابن أبي داود قال: أنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال:"صلّيت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة"، قال الطحاوي: فهذا ابن عمر قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع ثم ترك هو الرفع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ ما قد كان رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله.
وما ذكر طاووس: أنه قد رأى ابن عمر يفعل ما يوافق ما رُوِي عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقدح في ذلك، لأنه يجوز أن يكون هذا قبل أن تقوم الحجة عنده بنسخه، ثم لما قامت، تَرَكَه، وفعل ما ذكره عنه مجاهد، انتهى. هذا نبذة مما ذكره العيني (٤/ ٣٧٩ - ٣٨١).
وقال ابن الهمام في "فتح القدير"(١/ ٣١١ - ٣١٢): واعلم أن الآثار عن الصحابة والطُرُق عنه - صلى الله عليه وسلم - كثيرة جدًّا، والكلام فيها واسعٌ من جهة الطحاوي وغيره، والقدر المتحقق بعد ذلك كلِّه ثبوت رواية كلِّ من الأمرين عنه - صلى الله عليه وسلم -: الرفعُ عند الركوع وعدمُه، فيحتاج إلى الترجيح لقيام التعارض،