ويترجَّح ما صرنا إليه بأنه كانت أقوالٌ مباحة في الصلاة، وأفعالٌ من جنس هذا الرفع، وقد عُلم نسخها، فلا يبعد أن يكون هو أيضًا مشمولًا بالنسخ خصوصًا، وقد ثبت ما يعارضه ثبوتًا لا مردّ له، بخلاف عدمه، فإنه لا يتطرّق إليه احتمال عدم الشرعية، لأنه ليس من جنس ما عُهِدَ فيه ذلك، بل من جنس السكون الذي هو طريق ما أجمع عليه في الصلاة، أعني الخشوع.
وكذا يترجَّح بأفضلية الرواة عنه - صلى الله عليه وسلم -، كما قاله أبو حنيفة للأوزاعي حيث اجتمع معه بمكة كما حكى ابن عيينة، فقال الأوزاعي: ما بالكم لا ترفعون عند الركوع والرفعِ منه؟ فقال: لأجل أنه لم يصحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء، فقال الأوزاعي: كيف لم يصح؟ وقد حدّثني الزهري، عن سالم، عن أبيه:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وعند الركوع، وعند الرفع منه"، فقال أبو حنيفة: ثنا حماد، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله بن مسعود:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة، ثم لا يعود لشيء من ذلك"، فقال الأوزاعي: أحدِّثُك: عن الزهري عن سالم عن أبيه، وتقول: حدثني حماد، عن إبراهيم؟ فقال أبو حنيفة: كان حماد أفقه من الزهري، وكان إبراهيم أفقه من سالم، وعلقمة ليس بدون ابن عمر في الفقه، وإن كانت لابن عمر صحبة، وله فضل صحبة، فالأسود له فضل كثير، وعبد الله! عبد الله، فرجَّح أبو حنيفة بفقه الرواة كما رجَّح الأوزاعي بعلوّ الإسناد، وهو أي: الترجّح بالفقه (١) المذهب المنصور عندنا.
وروى الطحاوي ثم البيهقي من حديث الحسن بن عياش بسند صحيح عن الأسود قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود، وروى أبو حنيفة عن حماد، عن إبراهيم، قال: ذكر عنده وائلُ بن حجر: أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه عند الركوع وعند