للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وهذا قول بعض المعتزلة وأهل الظاهر، وهو خطأ؛ لأن الذكر الموصوف في الآية بالأحداث ليس هو نفس كلامه تعالى؛ لقيام الدليل على أن محدثًا منشأ ومخترعًا ومخلوقًا ألفاظ مترادفة على معنى واحد، فإذا لم يجز وصف كلامه القائم بذاته تعالى بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث. وإذا كان كذلك فالذكر الموصوف في الآية بأنه محدث هو الرسول؛ لأنه تعالى قد سماه في قوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (١٠) رَسُولًا} [الطلاق: ١٠ - ١١]، فيكون المعنى: ما يأتيهم من رسول محدث. ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هاهنا وعظ الرسول إياهم وتحذيره من المعاصي فسماه ذكرًا وأضافه إليه؛ إذ هو فاعله ومُقدر رسوله على اكتسابه. وقال بعضهم في هذه الآية: أن مرجع الأحداث إلى الإتيان لا إلى الذكر القديم؛ لأن نزول القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان شيئًا بعد شيء، فكان نزوله يحدث حينًا بعد حين كما أن العالم يعلم ما لا يعلمه الجاهل، فإذا علمه الجاهل حدث عنده العلم ولم يكن إحداثه عند التعلم إحداث عين المعلم. قلت: والاحتمال الأخير أقرب إلى مراد البخاري لما قدمت قبلُ أن مبنى هذه التراجم عنده على إثبات أن أفعال العباد مخلوقة، ومراده هاهنا الحدث بالنسبة للإنزال، وبذلك جزم ابن المنير ومن تبعه.

وقال الكرماني (٢٥/ ٢١٥): صفات الله سلبية ووجودية وإضافية، فا لأولى: هي التنزيهات، والثانية: هي القديمة، والثالثة: الخلق والرزق، وهي حادثة ولا يلزم من حدوثها تغير في ذات الله تعالى ولا في صفاته الوجودية، كما أن تعلق العلم وتعلق القدرة بالمعلومات والمقدورات حادث، وكذا جميع الصفات الفعلية، فإذا تقرر ذلك فالإنزال حادث والمنزل قديم وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة، فالمذكور - وهو القرآن - قديم والذكر حادث. وأما ما نقله ابن بطال عن المهلب ففيه نظر؛ لأن البخاري

<<  <  ج: ص:  >  >>