لا يقصد ذلك ولا يرضى بما نسب إليه، إذ لا فرق بين مخلوق وحادث لا عقلًا [ولا نقلًا] ولا عرفًا.
وقال ابن المنير: قيل: ويحتمل أن يكون مراده حمل لفظ محدث على الحديث، فمعنى ذكر محدث أي: متحدث به. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام: أن رجلًا من الجهمية احتج لزعمه أن القرآن مخلوق بهذه الآية، قال له هشام: محدث إلينا يحدث إلى العباد؟ قال: إنما المراد أنه محدث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما الله سبحانه فلم يزل عالِمًا. قال ابن التين: احتج من قال بخلق القرآن بهذه الآية، قالوا: والمحدث هو المخلوق؟! والجواب: أن لفظ الذكر في القرآن يتصرف على وجوه: الذكر بمعنى العلم، ومنه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}[النحل: ٤٣]، والذكر بمعنى العظة، ومنه:{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}[ص: ١]، والذكر بمعنى الصلاة، ومنه:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: ٩]. والذكر بمعنى الشرف، ومنه:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف: ٤٤]، {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}، قال: فإذا كان الذكر يتصرف إلى هذه الأوجه وهي كلها محدثة كان حمله على إحداها أولى؛ ولأنه لم يقل:"مَا يَأْتِيهِم مِن ذِكْرٍ مِن ربِّهِم إلا كان محدثًا"، ونحن لا ننكر أن يكون من الذكر ما هو محدث كما قلنا. وقيل: محدث عندهم و"من" زائدة للتأكيد.
قال أبو عبيد - يعني القاسم بن سلام -: احتج هؤلاء الجهمية بآيات، وليس فيما احتجوا به أشد البأس من ثلاث آيات: قوله: " {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرً}[الفرقان: ٢]، و {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} و {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}[الأنبياء: ٢]، قالوا: إن قلتم: إن القرآن لا شيء كفرتم، وإن قلتم: إن المسيح كلمة الله فقد أقررتم أنه خلق، وإن قلتم: ليس بمحدث رددتم القرآن! قال أبو عبيد: أما قوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} فقد قال في آية أخرى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ