للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وجوده إنما هو بتأثير قدرته وله جهتان، جهة تنفي القدر، وجهة تنفي الجبر، فهو مسند إلى الله حقيقة وإلى العبد عادة، وهي صفة يترتب عليها الأمر والنهي والفعل والترك، فكلما أسند من أفعال العباد إلى الله تعالى فهو بالنظر إلى تأثير القدرة، ويقال له: الخلق، وما أسند إلى العبد إنما يحصل بتقدير الله تعالى، ويقال له: الكسب، وعليه يقع المدح والذم كما يذم المشوه الوجه ويمدح الجميل الصورة. وأما الثواب والعقاب فهو علامة، والعبد إنما هو ملك الله يفعل فيه ما يشاء، ولم يتعرض لإعراب "ما" هل هي مصدرية أو موصولة؟ وقال الطبري: فيها وجهان: فمن قال مصدرية قال: المعنى: خلقكم وخلق عملكم، ومن قال موصولة قال: خلقكم وخلق الذي تعملون، أي: تعملون منه الأصنام وهو الخشب والنحاس وغيرهما. وتمسك المعتزلة بهذا التأويل.

قال السهيلي في "نتائج الفكر" له: اتفق العقلاء على أن أفعال العباد لا تتعلق بالجواهر والأجسام، فلا تقول: عملت حبلا ولا صنعت جملًا ولا شجرًا، فإذا كان كذلك، فمن قال: "أعجبني ما عملت" فمعناه الحدث، فعلى هذا لا يصح في تأويل {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} إلا أنها مصدرية وهو قول أهل السُّنَّة، ولا يصح قول المعتزلة أنها موصولة؛ فإنهم زعموا أنها واقعة على الأصنام التي كانوا ينحتونها، فقالوا: التقدير: خلقكم و [خلق] الأصنام. وزعموا أن نظم الكلام يقتضي ما قالوه لتقدم قوله: {مَا تَنْحِتُونَ}؛ لأنها واقعة على الحجارة المنحوتة، وكذلك "ما" الثانية، والتقدير: أتعبدون حجارة تنحتونها والله خلقكم وخلق تلك الحجارة المنحوتة التي تعملونها؟! وهذه شبهتهم. ولا يصح ذاك من جهة النحو؛ إذ "ما" لا تكون مع الفعل الخاص إلا مصدرية. فعلى هذا، فالاية ترد مذهبهم وتفسد قولهم، والنظم على قول أهل السُّنَّة أبدع؛ لأن الآية وردت في بيان استحقاق خالق العبادة لانفراده بالخلق وإقامة الحجة على من يعبد ما لا يخلق وهم يخلقون، فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>