للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أتعبدون من لا يخلق وتدَعون عبادة من خلقكم وخلق أعمالكم التي تعملون، ولو كان كما زعموا لما قامت الحجة من نفس هذا الكلام؛ لأنه لو جعلهم خالقين لأعمالهم وهو خالق للأجناس لشركهم معهم في الخلق، تعالى الله عن إفكهم.

قال البيهقي في "كتاب الاعتقاد": قال الله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر، وقال: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦]، فنفى أن يكون خالق غيره، ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق، فلو كانت الأفعال غير مخلوقة له لكان خالق بعض شيء لا كل شيء، وهو بخلاف الآية. ومن المعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان، فلو كان اللّه خالق الأعيان والناس خالقي الأفعال لكان مخلوقات الناس أكثر من مخلوقات الله تعالى، تعالى الله عن ذلك.

قال مكي بن أبي طالب: زعم المعتزلة أنهم أرادوا بذهابهم إلى أن العبد خالق الأفعال تنزيه اللّه تعالى عن خلق الشر!! ورد عليهم أهل السُّنَّة بأن الله تعال خلق إبليس وهو الشر كله، وقال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: ١، ٢] فأثبت أنه خلق الشر وأطبق القراء حتى أهل الشذوذ على إضافة "شر" إلى "ما" إلا عمرو بن عبيد رأس الاعتزال فقرأها بتنوين ليصحح مذهبه، وهو محجوج بإجماع من قبله على قراءتها بالإضافة. قال: "وإذا تقرر أن الله خالق كل شيء من خير وشر وجب أن تكون "ما" مصدرية.

قال صاحب الكشاف ما حاصله: أن الاحتجاج على المشركين لا يستقيم إلا بإرادة الأصنام عن ما تعملون فتكون موصولة، وتعقبه ابن خليل السكوني أن معنى الآية عند أهل السُّنَّة أن الله خلقكم وأعمالكم، وإذا كان الله خالق أعمالكم التي بها التأثير في أشكال الأصنام فأولى أن يكون خالقًا للمتأثر الذي لم يدع فيه أحد الخلقية لا سُنّي ولا معتزلي وهي الأصنام،

<<  <  ج: ص:  >  >>