بالوجوب وجوب اختيار كقول الرجل لصاحبه: حقك واجب عليّ، قاله علي القاري.
وقال محمد في "موطئه"(١/ ٣٠٣): أخبرنا محمد بن أبان بن صالح، عن حماد، عن إبراهيم النخعي، قال - أي: حماد -: "سألته عن الغسل يوم الجمعة، والغسل من الحجامة، والغسل في العيدين، قال: إن اغتسلت فحسن، وإن تركت فليس عليك، فقلت له: ألم يقل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: من رَاح إلى الجمعة فليغتسل؟ قال: بلى، ولكن ليس من الأمور الواجبة، وإنما هو كقوله تعالى: "{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}" الحديث.
ويؤيده ما أخرج أبو داود عن عكرمة: "أن ناسًا من أهل العراق جاؤوا فقالوا: يا ابن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبًا؟ فقال: لا، ولكنه طهور وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغسل، كان الناس مجهودين يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضَيِّقًا مقارب السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في يوم حارٍّ، وعَرِقَ الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح حتى آذى [بذلك] بعضهم بعضًا، فلما وجد - صلى الله عليه وسلم - تلك الرياح قال: يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمَسَّ أحدكم أفضلَ ما يجد من دهنه وطيبه، قال ابن عباس: ثم جاء اللّه بالخير، ولبِسوا غير الصوف، وكفُوا العملَ، وَوُسِّعَ مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العرق"، فهذا يشير إلى أن الغسل كان واجبًا كما ذهب إليه مالك، ثم صار سنة كما ذهب إليه الجمهور، واللّه أعلم بحقائق الأمور، "شرح الموطأ" لعلي القاري.