هذه الآيات الثلاث من أشكل ما في القرآن إعرابًا وحكمًا [ومعنًى]. والمعنى {أَوْ آخَرَانِ} أي: شاهدان آخران يقومان مقام الشاهدين الأَوَّلَين، من الذين استحق عليهم، أي: من الذين حق عليهم وهم أهل الميت وعشيرته، و {الْأَوْلَيَانِ} أي الأَحَقّان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما، وارتفع الأوليان بتقدير: هما، كأنه قيل: مَن الشاهدان؟ فأجيب: الأوليان، أو هما بدل من الضمير في {يَقُومَانِ} أو من {فَآخَرَانِ}، ويجوز أن يرتفعا بـ {اسْتَحَقَّ} أي من الذين [استحق] عليهم انتداب الأَوْلَيَيْن منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة الحال، ولهذا قال أبو إسحاق الزجاج: هذا الموضع من أصعب ما في القرآن إعرابًا، قاله في "الفتح"(٥/ ٤١٠).
قال البيضاوي في "تفسيره": ومعنى الآيتين أن المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يُشْهِد عدلين من ذوي نسبه أو دينه على وصيته، أو يوصي إليهما احتياطًا، فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخرين من غيرهم، ثم إن وقع نزاع وارتياب أقسما على صدق ما يقولان بالتغليظ في الوقت، فإن اطلع على أنهما كذبا بأمارة أو مظِنَّة حلف آخران من أولياء الميت، والحكم منسوخ إن كان الاثنان شاهدين فإنه لا يحلف الشاهد ولا يُعارض يمينه بيمين الوارث، وثابت إن كانا وصيين ورد اليمين إلى الورثة، إما لظهور خيانة الوصيين، فإنه تصديق الوصي باليمين لأمانته أو لتغير الدعوى، إذ روي أن تميمًا الداري وعدي بن بَدَّاءٍ خرجا إلى الشام للتجارة وكانا حينئذ نصرانيين، ومعهما بديل -قيل: الصواب بُزَيل بالزاي المفتوحة بعد الباء المضمومة، "سع"- مولى عمرو بن العاص وكان مسلمًا، فلما قدموا الشام مرض بُزَيْل فدوّن ما معه في صحيفة، وطرحها في متاعه، ولم يخبرهما به، وأوصى إليهما أن يدفعا متاعه إلى أهله ومات، ففتَّشاه وأخذا منه إناء من فضة فيه ثلاث مائة مثقال منقوشًا بالذهب فَغَيَّباه، فأصاب أهله الصحيفة، وطالبوهما