قال الخطابي (٢/ ١٤٤١): هذه القصة مشكلة جدًا، وذلك أنهما إذا كانا قد أخذا هذه الصدقة من عمر -رضي الله عنه- على الشريطة التي شرطها عليهم، وقد اعترفا بأنه -صلى الله عليه وسلم- قد قال:"ما تركنا صدقة"، وقد شهد المهاجرون بذلك، فما الذي بدا لهما بَعدُ حتى تخاصما؟ فالمعنى في ذلك أنه كان يشق عليهما الشركة، فطلبا أن يقسم بينهما ليستبدَّ كل واحد منهما بالتدبير والتصرف فيما يصير إليه، فمنعهما عمر -رضي الله عنه- القسمةَ لئلا يجري عليها اسم الملْك، انتهى.
قال النووي (٦/ ٣١٨): كره عمر -رضي الله عنه- أن يوقع عليها اسم القسمة، لئلا يظن بذلك مع تطاول الزمان أنها ميراث، وأنهما ورثاه، لا سيما وقسمة الميراث بين البنت والعم نصفان، فيلتبس ذلك، ويظن أنهم تملّكوا ذلك، ومما يؤيد ما قلناه ما قاله أبو داود: أنه لما صارت الخلافة إلى علي لم يغيِّرْها عن كونها صدقة، وبنحو هذا احتجّ السفّاح، فإنه لَمّا خطب أول خطبة قام بها، قام إليه رجل معلق في عنقه المصحف [فقال:] أناشدك الله إلا [ما]، حكمتَ بيني وبين خصمي بهذا المصحف، فقال: من هو خصمك؟ قال: أبو بكر -رضي الله عنه- في منعِه فدك، قال: أظلمك؟ قال: نعم، قال فمن بعده؟ [قال: عمر، قال:] أظلمك؟ قال: نعم، وقال في عثمان كذلك، قال: نعم، قال: فعلي ظلمك؟ فسكت الرجل فأغلظ له السفّاح، انتهى كلام النووي.
قال صاحب "الخير الجاري": اعلم أن من خرافات الشيعة أن عليًّا إنما جعلها صدقة؛ لأن الأئمة إذا غُصب منهم شيء لا يعودون إليه، وهذا منقوض بما ذكر. فإن قلت: لم يقبلا بالمالكية، قلت: إذا قبلا بالتصرف فَلَأَنْ يقبلا بالمالكية فبالطريق الأولى، ويفهم من السياق ذلك وبما قالوا من أن الخلافة كانت مغصوبة أولًا، ثم اختارها علي -رضي الله عنه-.